الجاري يشربه اليهود والنصارى والمجوس وتمرغ فيه خنازير السواد (1) وكلابه، وها هم قد صرعهم العطش، بئس ما خلفتم محمدا في ذريته، لا سقاكم الله يوم الظمأ الأكبر. فحمل عليه رجال يرمون بالنبل، فأقبل حتى وقف أمام الحسين عليه السلام.
ونادى عمر بن سعد: يا ذو يد (2)، أدن، رأيتك، فأدناها ثم وضع سهمه في كبد قوسه ثم رمى وقال: اشهدوا أني أول من رمى، ثم ارتمى الناس وتبارزوا، فبرز يسار مولى زياد بن أبي سفيان، وبرز إليه عبد الله بن عمير، فقال له يسار: من أنت؟ فانتسب له، فقال: لست أعرفك، ليخرج إلي زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر، فقال له عبد الله بن عمير:
يا ابن الفاعلة، وبك رغبة عن مبارزة أحد من الناس؟! ثم شد عليه فضربه بسيفه حتى برد، فإنه لمشتغل بضربه إذ شد عليه سالم مولى عبيد الله بن زياد، فصاحوا به: قد رهقك العبد، فلم يشعر حتى غشيه فبدره ضربة اتقاها ابن عمير بكفه (3) اليسرى فأطارت أصابع كفه ثم شد عليه فضربه حتى قتله، وأقبل وقد قتلهما جميعا وهو يرتجز ويقول:
إن تنكروني فأنا ابن كلب * إني امرؤ ذو مرة وعضب (4) ولست بالخوار عند النكب