فجعل الحسن يعظم ذلك عليه ويعرفه ما في إخراج الأمر من أهله عليه، فقال له المأمون: إني عاهدت الله أنني إن ظفرت بالمخلوع (1) أخرجت الخلافة إلى أفضل آل أبي طالب، وما أعلم أحدا أفضل من هذا الرجل على وجه الأرض.
فلما رأى الحسن والفضل عزيمته على ذلك أمسكا عن معارضته فيه، فأرسلهما إلى الرضا عليه السلام فعرضا ذلك عليه فامتنع منه، فلم يزالا به حتى أجاب، ورجعا إلى المأمون فعرفاه إجابته فسر بذلك وجلس للخاصة في يوم خميس، وخرج الفضل بن سهل فأعلم الناس برأي المأمون في علي بن موسى، وأنه قد ولاه عهده وسماه الرضا، وأمرهم بلبس الخضرة والعود لبيعته في الخميس الآخر، على أن يأخذوا رزق سنة.
فلما كان ذلك اليوم ركب الناس على طبقاتهم من القواد والحجاب والقضاة وغيرهم في الخضرة، وجلس المأمون ووضع للرضا وسادتين عظيمتين حتى لحق بمجلسه وفرشه، وأجلس الرضا عليه السلام عليهما في الخضرة وعليه عمامة وسيف، ثم أمر ابنه العباس بن المأمون يبايع له أول الناس، فرفع الرضا عليه السلام يده فتلقى بها وجه نفسه وببطنها وجوههم، فقال له المأمون: أبسط يدك للبيعة، فقال الرضا عليه السلام:
" إن رسول الله صلى الله عليه وآله، هكذا كان يبايع " فبايعه الناس ويده فوق أيديهم، ووضعت البدر (2) وقامت الخطباء والشعراء فجعلوا يذكرون فضل الرضا عليه السلام، وما كان من المأمون في أمره.