فقال له هشام: أنت المؤهل نفسك للخلافة الراجي لها؟! وما أنت وذاك - لا أم لك - وإنما أنت ابن أمة، فقال له زيد: إني لا أعلم أحدا أعظم منزلة عند الله من نبي بعثه وهو ابن أمة، فلو كان ذلك يقصر عن منتهى غاية لم يبعث، وهو إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، فالنبوة أعظم منزلة عند الله أم الخلافة، يا هشام؟! وبعد، فما يقصر برجل أبوه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ابن علي بن أبي طالب، فوثب هشام عن مجلسه ودعا قهرمانه وقال: لا يبيتن هذا في عسكري.
فخرج زيد رحمة الله عليه وهو يقول: إنه لم يكره قوم قط حر السيوف إلا ذلوا. فلما وصل الكوفة اجتمع إليه أهلها فلم يزالوا به حتى بايعوه على الحرب، ثم نقضوا بيعته وأسلموه، فقتل عليه السلام وصلب بينهم أربع سنين، لا ينكر أحد منهم ولا يغير ولا لسان.
ولما قتل بلغ ذلك من أبي عبد الله عليه السلام كل مبلغ، وحزن له حزنا عظيما حتى بان عليه، وفرق من ماله على عيال من أصيب معه من أصحابه ألف دينار. (روى ذلك أبو خالد الواسطي قال: سلم إلي أبو عبد الله عليه السلام ألف دينار) (1)، وأمرني أن أقسمها في عيال من أصيب مع زيد، فأصاب عيال عبد الله بن الزبير أخي فضيل الرسان منها أربعة دنانير (2).