فلذلك صبرت وصرب إلى ما أراد القوم (1) مع ما سبق فيه من علم الله عز وجل.
فلما رفعنا عن القوم سيوفنا تحكموا في الامر بالأهواء، وتخيروا في الاحكام والآراء، وتركوا المصاحف وما دعوا إليه من حكم القرآن ودعوا إلى التحكيم، فأبيت أن أحكم في دين الله سبحانه أحدا إذ كان التحكيم في ذلك الخطاء الذي لا أشك فيه.
فلما أبوا إلا ذلك أردت من أصحابي أن يجعلوا الحاكم رجلا من أهل بيتي ممن أرضى رأيه وعقله، وأثق بدينه ونصحه ومودته، وأن يكون الحكم بكتاب الله الذي دعوا إليه، وعلمت أن كتاب الله كله يشهد لي على معاوية، فأبي علي أصحابي، وأقبلت لا اسمي رجلا إلا امتنع علي ابن هند، ولا أدعو إلى شئ من الحق إلا أدبر عنه، ولا يسومنا خسفا إلا تابعه أصحابنا عليه.
فلما أبوا إلا ما أراد من ذلك (2) تبرأت إلى الله عز وجل منهم، فقلدوا الحكم امرءا كان صبغ في العلم، ثم خرج منه، وقد عرفت وعرفوا أولا ميله إلى ابن هند، وأخذه من دنياه، فحذرته، وأوصيته، وتقدمت إليه في أن لا يحكم إلا بكتاب الله الذي دعا القوم إليه، فخدعه ابن العاص خديعة سارت في شرق الأرض وغربها، وأظهر المخذوع عليها ندما (3).
(4) وكان رسول الله صلوات الله عليه وآله عهد إلي أن أقاتل في آخر