جوف الليل وخرج به مع إبراهيم بن غسان الذي أسره من نسا ووافى به الري، وقد أمره عبد الله بن طاهر أن يفعل به كما فعل هو، يخرج في كل ثلاث ليال ومعه بغل عليه قبة ومعه جيش حتى يجوز الري بفراسخ، ثم يعود إلى أن يمكنه سله في ليلة مظلمة، ففعل ذلك خوفا من أن يغلب عليه لكثرة من أجابه، حتى أخرجه من الري، ولم يعلم به أحد، ثم اتبعه حتى أورده بغداد على المعتصم.
قال إبراهيم بن غسان: فعرضوا على محمد بن القاسم كل شئ نفيس من مال وجوهر وغير ذلك، فلم يقبل إلا مصحفا جامعا (كان) لعبد الله بن طاهر، فلما قبله سر عبد الله بذلك وإنما قبله لأنه كان يدرس فيه.
قال: وما رأيت قط أشد اجتهادا منه، ولا أعف ولا أكثر ذكر الله تعالى مع شدة نفس، واجتماع قلب، ما ظهر منه جزع ولا انكسار، ولا خضوع في الشدائد التي مرت به، وأنهم ما رأوه قط مازحا ولا هازلا، ولا ضاحكا إلا مرة واحدة. فإنهم لما انحدروا من عقبة حلوان أراد الركوب، فجاء بعض أصحاب إبراهيم بن غسان فطأطأ له ظهره، حتى ركب في المحمل على البغل فلما استوى على المحمل قال للذي حمله على ظهره مازحا: أتأخذ أرزاق بني العباس وتخدم بني علي بن أبي طالب! وتبسم، وكان يقال للرجل محمد الشعراني، وكان من شيعة ولد العباس الخراسانية. فقال له: جعلت فداك، ولد علي وولد العباس عندي سواء، فما سمعناه مزح ولا رأيناه تبسم قبل ذلك ولا بعده، ولا رأيناه اغتم من شئ جرى عليه إلا يوم ورد عليه كتاب المعتصم وقد وردنا النهروان، فكتبنا إليه بالخبر واستأذناه في الدخول به، فورد علينا كتابه يأمرنا أن نأخذ جلال القبة ونسير به مكشوفا، وإذا وردنا النهرين أن نأخذ عمامته وندخله بغداد حاسرا وذلك قبل أن يبنى سر من رأى، فلما أردنا الرحيل به من النهروان نزعنا جلال القبة، فسأل عن السبب في ذلك فأخبرناه، فاغتم بذلك. ولما صرنا بالنهرين قلنا له يا أبا جعفر انزع عمامتك فان أمير المؤمنين أمر ان تدخل حاسرا، فرمى بها إلي ودخل الشماسية