قذارة جسمه وثيابه:
والاهم من كل ذلك صبر المهلبي على صحبة أبي الفرج، مع الفارق الكبير بين ترف المهلبي وتبذل أبي الفرج. فنرى ان المهلبي حين يباشرا كل ما يتناول بالملعقة كالأرز واللبن مثلا، يقف إلى جانبه الأيمن غلام معه نحو ثلاثين ملعقة زجاجا مجرودا مجلوا - وكان المهلبي يستعمل مثل هذه الملاعق كثيرا، فيأخذ منه ملعقة يأكل بها من ذلك اللون لقمة واحدة، ثم يدفعها إلى غلام آخر قائم إلى الجانب الأيسر، وبعدها يأخذ أخرى فيفعل بها فعل الأولى حتى ينال الكفاية لئلا يعيد الملعقة إلى فمه مرة ثانية:
وفي الطرف المقابل كان أبو الفرج عديم العناية - مهما كانت ضئيلة، بنظافة جسمه وثيابه، والمعروف عنه انه لم يكن يغسل له ثوبا منذ ان يفصله إلى أن يقطعه ولم يكن ينزع دراعته إلا بعد ان تبلى! حتى تناهى في القذارة إلى مالا غاية بعده - بنص أحد مؤرخيه -. وكان إلى كل ذلك أكولا نهما لا يتقيد بآداب المائدة.
حدث ذات يوم إن كان أبو الفرج جالسا على مائدة المهلبي، فقدمت سكباجة (1) وافقت من أبي الفرج سعلة، فبدرت من فمه قطعة من بلغم سقطت وسط غضارة السكباجة! فتقدم المهلبي برفعها وقال: هاتوا من هذا اللون في غير هذه الصفحة.
حدث كل ذلك ولم يبن في وجه المهلبي إنكار ولا استكراه، ولا داخل أبا الفرج في هذا الحال استحياء ولا انقباض.