الرغم من أن المؤلفين الذين جاءوا بعد أبي الفرج قد عولوا عليه كثيرا، واعتبروه مرجعا هاما للتاريخ العربي والحضارة الاسلامية، فهو - في الواقع - لا يصح أن يكون أساسا لدراسة التاريخ بصفة خاصة، لان الأصل في تأليفه لم يكن تاريخيا بصورة مطلقة، بل كان الغرض الأول الذي وضعه أبو الفرج نصب عينيه - حين وضع هذا الكتاب - هو إمتاع الأسماع ومؤانسة القلوب وترويح النفوس وتحلية الأذواق ليس إلا.
فكان إذن من أكبر الاخطار وأشنع الأخطاء اعتماد كتاب الأغاني في فهم التاريخ الصحيح، واعتبار رواياته حقائق تاريخية يصح الركون إليها والبناء عليها. لان أبا الفرج لم يكن يعنيه من رواية الاخبار سوى طرافتها وغرابتها، سواء أكانت هذه الأخبار صحيحة أو غير صحيحة. ومع أن أبي الفرج لم يختلق كل هذه الأخبار، إلا أن له - دون أدنى شك - يد في تلوينها ووضعها في قوالب يغلب عليها اللهو والمجون - على حد قول الدكتور زكي مبارك -.
ثم إن دراسة الجانب الماجن من حياة أبي الفرج (1) تعين الباحث على فهم نفسيته وتعرفه على تذوق أبي الفرج لمتع الحياة بمختلف ألوانها الخليعة اللاهية.
وقد لفتت هذه الناحية من كتاب الأغاني في نظر بعض الباحثين الأقدمين والمحدثين فقد قال ابن الجوزي في كتابه المنتظم: " ومن تأمل كتاب الأغاني رأى كل قبيح ومنكر ". وأشار الخونساري في روضات الجنات إلى ذلك أيضا فقال:
" إني تصفحت كتاب أغانيه المذكور إجلالا، فلم أر فيه إلا هزلا أو ضلالا، أو بقصص أصحاب الملاهي اشتغالا ".
اما من المحدثين، فلعل أوسع من درس كتاب الأغاني، ونبه على هذا الموضوع على وجه التخصيص، هو المرحوم الدكتور زكي مبارك الذي ذكر في