9 - بين الأدب والبيطرة ومن المفارقات العجيبة - وما أكثرها - في حياة أبي الفرج، جمعه بين علوم مختلفة كالرواية واللغة والتاريخ والشعر من جهة، والجوارح والنجوم والطب والبيطرة من جهة أخرى، وهذه العلوم هي في نظر الانسان المعاصر متنافرة لا يجمعها جامع من الدراسة المنهجية.
فكيف يستطيع مزاج الأديب الشاعر الظريف، ان يجمع إلى ظرفه وأدبه علم البيطرة مثلا، ثم يحتمل اجراء التجاريب العلاجية على الحيوانات؟ كما فعل أبو الفرج في القصة الغريبة الطريفة التالية:
كان لأبي الفرج سنور ابيض يسميه " يققا " وقد مرض يقق هذا ذات مرة بالقولنج، فشغل أبو الفرج بعلاجه، فتفقده أصحابه لانقطاعه عنهم، فذهب إليه جماعة منهم لقضاء حقه وتعرف خبره، فطلع عليهم أبو الفرج من البيت بعد مدة ويده ملوثة بما ظنوه شيئا كان يأكله. فقالوا له عققناك بان قطعناك عما كان أهم من قصدنا إليك. فأجابهم لا والله يا سادتي ما كنت على ما تظنون، وإنما لحق يققا قولنج، فاحتجت إلى حقنه، فانا مشغول بذلك. فلما سمعوا كلامه ورأوا التلوث في يده نفروا منه، واعتذروا إليه، وانصرفوا عنه.
وربما عني أبو الفرج سنوره " يققا " هذا في القصيدة التي أرسلها إلى صديقه الوزير المهلبي، يشكوه ما يلقى من اذى الفئران ويحمد ما يصنعه سنوره فيها من التقتيل والتشريد، ثم يعرج بعد ذلك إلى وصف هذا السنور أجمل الوصف وأملحه. فاسمعه يقول:
يا لحدب الظهور قصع الرقاب * لدقاق الأنياب والأذناب خلقت للفساد مذ خلق الخلق * ولليعث والأذى والخراب