فقلت: إني جئتك مبشرا ومعزيا. قال مبشرا بماذا؟ ومعزيا بمن؟
قلت: أما البشرى فبوفاة عيسى بن زيد. وأما التعزية ففيه لأنه ابن عمك ولحمك ودمك.
فحول وجهه إلى المحراب وسجد وحمد الله، ثم اقبل علي وقال: ومنذ كم مات؟ قلت: منذ شهرين.
قال: فلم لم تخبرني بوفاته إلا الآن؟ قلت منعني الحسن بن صالح، واعدت عليه بعض قوله. قال: وما فعل؟ قلت: مات، ولولا ذلك ما وصل إليك الخبر ما دام حيا. فسجد سجدة أخرى وقال: الحمد لله الذي كفاني أمره، فلقد كان أشد الناس علي، ولعله لو عاش لأخرج على غير عيسى سلني ما شئت فوالله لأغنينك، ولا رددتك عن شئ تريده.
قلت: والله مالي حاجة، ولا أسألك شيئا إلا حاجة واحدة. قال: وما هي؟
قلت: ولد عيسى بن زيد، والله لو كنت أملك ما أعولهم به ما سألتك في أمرهم ولا جئتك بهم، ولكنهم أطفال يموتون جوعا وضرا، وهم ضائعون ومالهم شئ يرجعون إليه، إنما كان أبوهم يستقي الماء ويعولهم، وليس لهم الآن من يكفلهم غيري وانا عاجز عن ذلك وهم عندي في ضنك وأنت أولى الناس بصيانتهم وأحق بحمل ثقلهم، فهم لحمك ودمك وأيتامك وأهلك.
قال: فبكى حتى جرت دموعه، ثم قال: إذا يكونون والله عندي بمنزلة ولدي، لا أوثرهم عليهم بشئ فأحسن الله يا هذا جزاءك عني وعنهم فلقد قضيت حق أبيهم وحقوقهم، وخففت عني ثقلا، وأهديت إلي سرورا عظيما.
قلت: ولهم أمان الله ورسوله وأمانك، وذمتك وذمة آبائك في أنفسهم وأهليهم وأصحاب أبيهم أن لا تتبع أحدا منهم بتبعة ولا تطلبه؟
قال: ذلك لك ولهم من أمان الله وأماني، وذمتي وذمة آبائي، فاشترط ما شئت فاشترطت عليه واستوثقت حتى لم يبق في نفسي شئ.