شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٥ - الصفحة ٧٩
قوله: (فيباشرهم ويباشرونه ويحاجهم ويحاجونه) متفرع على المنفي إذ لو جازت المشاهدة والملامسة لجازت المباشرة والمحاجة والمكالمة كما هو المعروف في أبناء نوع الإنسان.
قوله: (ثبت أن له سفراء في خلقه) السفراء بضم الأول وفتح الثاني: جمع السفير وهو الرسول والمصلح، فإن قلت: علة ثبوته عدم المشاهدة والملامسة وهي متحققة في السفير أيضا فيلزم افتقاره إلى سفير آخر وهكذا فيلزم التسلسل؟
قلت: العلة هي ما ذكر مع عدم المشاهدة القلبية المخصوصة والمناسبة المعنوية المشخصة وإنما لم يذكرها (عليه السلام) أكتفاء بظهورها في الأنام على أنه يمكن أن يراد بالمشاهدة التي ذكرها الأمر الأعم الشامل للمشاهدة العينية والقلبية بحمل الجواز في قوله «لم يجز» على الإمكان الوقوعي والذاتي جميعا وتلك العلة حينئذ غير متحققة في السفر لأن له مشاهدات قلبية ومناسبات روحانية ومكاشفات نفسانية بتأييدات ربانية مقتضية لإرساله لئلا يبطل الحكمة في إيجاد الخلق.
قوله: (يعبرون عنه إلى خلقه وعباده) يعبرون: إما مجرد من العبور وهو المرور ومنه فلان عابر سبيل أي مار الطريق، أو مزيد من التعبير وهو التفسير. والمعنى على الأول: أنهم يمرون عنه تعالى ويسافرون عن جانبه إلى خلقه بما أراد منهم من الأوامر والنواهي، وعلى الثاني: أنهم يفسرون مراده نيابة عنه ويوصلونه إلى خلقه، والأول أظهر والثاني أنسب بقوله «فالمعبرون».
قوله: (ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم) يمكن أن يراد بالمصالح: الأوامر والنواهي، وبالمنافع: الأعمال البدنية وبما به البقاء، الأخلاق النفسانية وبما في تركه الفناء، العقائد العقلية فإن التكاليف الزاجرة والأعمال الصالحة كلها مصالح دنيوية ومنافع اخروية والأخلاق الفاضلة والعقايد الكاملة كلها سبب لحياة النفس وبقائها وتركها سبب لموتها وفنائها (1) وبالجملة في الأخير إشارة إلى دلالتهم على الحكمة النظرية (2) وفيما قبله على الحكمة

١ - قوله «سبب لموتها وفنائها» ظاهر عبارة الشارح يوهم ما ليس مراده قطعا فإن نفس الإنسان باقية بعد فناء البدن سواء كان مؤمنا أو كافرا وبذلك يصح عقاب الكافر في الدار الآخرة ولو لم تكن باقية لم يجز عقاب نفس تحدث في المعاد كما لا يجوز عقاب الحشرات والديدان المكونة من أجساد الموتى لأن نفوسها حادثة وإن كانت أبدانها عين البدن العاصي والأحاديث والروايات دالة على بقاء أرواح الكفار أيضا وكلام الشارح يوهم أن صاحب الأخلاق الرذيلة والاعتقادات الباطلة لا تبقى، ولكن يجب تأويل كلامه ولا يجوز التسريع إلى تخطئة العلماء وتنفيذ آرائهم ما وجودنا إلى تأويل كلامهم سبيلا إذ قد يصدر من الإنسان غير المعصوم كلام لايستأنف النظر فيه حتى يحقق مدلوله ويصلحه والحق في تفسير الحديث ما ذكره الصدر (قدس سره) من أن المراد بالبقاء والفناء فيه بقاء نوع الإنسان بوجود الشرائع والأحكام وفنائهم جميعا بتركها لأن الإنسان مدني بالطبع يحتاج إلى معاشرة أبناء نوعه وذلك محوج إلى قانون يحفظ الحقوق والحدود ويدفع التعدي والتجاوز فبوجود الشريعة الحافظة لحقوقهم يبقى نوعهم وبعدمها يفني ولا يريد بقاء الشخص وفناءه. (ش) ٢ - قوله «على الحكمة النظرية» أي ما يتعلق بالإلهيات منها، لأن كشف أسرار الطبيعة ليس من وظائف الأنبياء (عليهم السلام)، وأما الحكمة العملية فجميع مسائلها من الدين ويؤخذ من الوحي سواء كانت من الأخلاق أو تدبير المنزل أو سياسة المدن ولذلك تركها حكماء الإسلام اكتفاء بما جاء في الشريعة الإسلامية، وأما فلاسفة اليونان فبحثوا عن مسائلها وكانت عندهم كتب وترجمت بعضها إلى لغة العرب لكنه لا نسبة بينها وبين ما جاء في الشريعة من التفصيل والتحقيق وطريقة العمل والتمرن فلم يكن لهم فقه كفقه الإسلام وأخلاق نظير كتاب إحياء علوم الدين وسائر كتب السير والسلوك وتهذيب النفس وأمثال ذلك، وإنما أورد حكماء المسلمين قواعد كلية عامة مختصرة من اليونانيين من غير تعرض للتفاصيل كما تركوا آداب اليونان وشعرها وقصصها اكتفاء بأشعار العرب وأدب القرآن وقصص الأنبياء وآثار الصلحاء وتركوا علم الخطابة وهو ريطوريقا اكتفاء بمواعظ النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة والأولياء وأمثال ذلك ولكن أخذوا من اليونانيين علومهم الطبيعية والرياضية وأكملوا وزادوا إذ لم يكن تفصيلها من شأن الأنبياء (عليهم السلام) ولم يرد منها في الشريعة وكان هذا دأب المسلمين إلى أن استولت النصارى على بلاد الإسلام فأفسدت عليهم أمرهم وشككوهم في دينهم فزعموا نعوذ بالله أن دين الإسلام ناقص وأحكامه لا تناسب كل زمان والمناسب لزماننا قوانين النصارى لا قواعد الإسلام وأحكامه والجواب: أن عدم مناسبة أحكامنا لهذا الزمان إنما هو لغلبة النصارى وشياع عاداتهم فكل قوم يستغربون ما يخالف عوائدهم كما استغرب المشركون على عهد النبي (صلى الله عليه وآله) نهيه عن الزناء وشرب الخمر فهو قسري، وإذا زال المانع عاد الممنوع كما لم يكن عند غلبة المغول المشركين على بلاد الإسلام أيضا إجراء أحكام الإسلام مناسبا لعوائدهم وليس ذلك لنقص أو ضعف أو قبح ومضرة، وقطع يد السارق أحسن من حبسه ولو في زماننا وجلد الزاني كذلك والربا كذلك، واستغرابها لغلبة النصارى فقط في زماننا وغلبة المغول سابقا وقد كانت اللحية الكثيفة عند غلبة المغول قبيحة لأن أمراءهم كانوا كواسج فكان المسلمون ينتفون لحاهم حتى يصيروا مثلهم في الهيئة. (ش)
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»
الفهرست