قوله: (فيباشرهم ويباشرونه ويحاجهم ويحاجونه) متفرع على المنفي إذ لو جازت المشاهدة والملامسة لجازت المباشرة والمحاجة والمكالمة كما هو المعروف في أبناء نوع الإنسان.
قوله: (ثبت أن له سفراء في خلقه) السفراء بضم الأول وفتح الثاني: جمع السفير وهو الرسول والمصلح، فإن قلت: علة ثبوته عدم المشاهدة والملامسة وهي متحققة في السفير أيضا فيلزم افتقاره إلى سفير آخر وهكذا فيلزم التسلسل؟
قلت: العلة هي ما ذكر مع عدم المشاهدة القلبية المخصوصة والمناسبة المعنوية المشخصة وإنما لم يذكرها (عليه السلام) أكتفاء بظهورها في الأنام على أنه يمكن أن يراد بالمشاهدة التي ذكرها الأمر الأعم الشامل للمشاهدة العينية والقلبية بحمل الجواز في قوله «لم يجز» على الإمكان الوقوعي والذاتي جميعا وتلك العلة حينئذ غير متحققة في السفر لأن له مشاهدات قلبية ومناسبات روحانية ومكاشفات نفسانية بتأييدات ربانية مقتضية لإرساله لئلا يبطل الحكمة في إيجاد الخلق.
قوله: (يعبرون عنه إلى خلقه وعباده) يعبرون: إما مجرد من العبور وهو المرور ومنه فلان عابر سبيل أي مار الطريق، أو مزيد من التعبير وهو التفسير. والمعنى على الأول: أنهم يمرون عنه تعالى ويسافرون عن جانبه إلى خلقه بما أراد منهم من الأوامر والنواهي، وعلى الثاني: أنهم يفسرون مراده نيابة عنه ويوصلونه إلى خلقه، والأول أظهر والثاني أنسب بقوله «فالمعبرون».
قوله: (ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم) يمكن أن يراد بالمصالح: الأوامر والنواهي، وبالمنافع: الأعمال البدنية وبما به البقاء، الأخلاق النفسانية وبما في تركه الفناء، العقائد العقلية فإن التكاليف الزاجرة والأعمال الصالحة كلها مصالح دنيوية ومنافع اخروية والأخلاق الفاضلة والعقايد الكاملة كلها سبب لحياة النفس وبقائها وتركها سبب لموتها وفنائها (1) وبالجملة في الأخير إشارة إلى دلالتهم على الحكمة النظرية (2) وفيما قبله على الحكمة