قوله (إن الله أجل وأكرم من أن يعرف بخلقه - الخ) لعل المراد أنه (1) أجل من أن يعرف بإرشاد خلقه والهداة مرشدون إلى طريق معرفته، وأما الهداية والمعرفة فموهبية كما قال: «إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي يهدي من يشاء» بل الخلق يعرفون الله بالله أي بهدايته وتوفيقه، أو المراد أنه أجل من أن يعرف بصفات خلقه مثل الجوهرية والعرضية والجسمية والنورية وغيرها بل الخلق يعرفونه بما عرف به نفسه من الصفات اللايقة به وهو أنة المبدء المسلوب عنه صفات خلقه كما قال: «ليس كمثله شيء» و (لم يكن له كفؤا أحد) أو بل الخلق يعرفون الحقائق الممكنة وأحوالها بالله اي بسبب خلقه إياها أو بسبب فيضانها منه على عقولهم، أو المراد أنه أجل من أن يعرف حق المعرفة بالنظر إلى خلقه والاستدلال بهم عليه بل الخلق يعرفون الله بالله بأن ينكشف ذاته المقدسة عند عقولهم المجردة وهذه المعرفة ليست لمية لتعاليه عن العلة ولا إنية لعدم حصولها بتوسط المعلول.
وبالجملة معرفة أهل الحق للحق حضور الحق بذاته لا بواسطة أمر آخر وهو مرتبة الفناء في الله وفيها لا يشاهد غير الله وإليها أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله «الحمد لله المتجلي لخلقه» وبعض الأولياء بقوله «رأيت ربي بربي ولولا ربي ما رأيت ربي» وعلى الأخير يحتمل أن يقرأ «يعرفون» على صيغة المجهول يعني: بل الخلق يعرفون بنور الله كما يعرف الذرات بنور الشمس دون العكس، وليس نور الله في آفاق النفوس أقل من نور الشمس في آفاق السماء وإليه أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله «ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله» والظاهر أن قوله تعالى (أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد) إشارة إلى هذه المرتبة لأن النبي (صلى الله عليه وآله) قد بلغ مقاما يرى فيه الرب بالرب وبه استشهد على كل شيء.
قوله: (من عرف أن له ربا فقد ينبغي له أن يعرف أن لذلك الرب رضا وسخطا) أي أمرا ونهيا لعلمه بأنه لم يخلقه عبثا، وهما فينا صفتان متقابلان تعرضان للنفس، توجبان انفعالها وتغيرها وتحركها نحو الإحسان والعقوبة، وفيه - جل شأنه - الإحسان بفعل المأمور به وترك المنهي عنه والعقوبة بعكس ذلك وقد يطلقان على الأمر والنهي ولعله المراد هنا.
قوله: (وأنه لا يعرف رضاه وسخطه إلا بوحي أو رسول - الخ) أي إلا بوحي إليه كما هو للرسول أو بإرسال رسول إليه كما هو للامة ووجه الحصر ظاهر، لأن معرفة أوامره ونواهيه بطريق المشافهة محال فانحصر أن يكون بأحد الأمرين المذكورين ممن لم يأته الوحي وفقد الطريق الأول