وصرت إلينا من الشام في مخالفتنا إياك؟ قال: فسكت الشامي، فقال أبو عبد الله للشامي: مالك لا تتكلم؟ قال الشامي: إن قلت لم نختلف كذبت وإن قلت: إن الكتاب والسنة يرفعان عنا الاختلاف أبطلت لأنهما يحتملان الوجوه، وإن قلت: قد اختلفنا وكل واحد منا يدعي الحق فلم ينفعنا إذن الكتاب والسنة، إلا أن لي عليه هذه الحجة، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) سله تجده مليا، فقال الشامي: يا هذا من أنظر للخلق أربهم أو أنفسهم؟ فقال هشام: ربهم أنظر لهم منهم لأنفسهم، فقال الشامي: فهل أقام لهم من يجمع لهم كلمتهم ويقيم أودهم ويخبرهم بحقهم من باطلهم؟ قال هشام: وفي وقت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو الساعة؟
قال الشامي في وقت رسول الله رسول الله والساعة من؟ فقال هشام: هذا القاعد الذي تشد إليه الرحال ويخبرنا بأخبار السماء وراثة عن أب عن جد، قال الشامي: فكيف لي أن أعلم ذلك؟ قال هشام: سله عما بدالك، قال الشامي: قطعت عذري فعلي السؤال، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يا شامي اخبرك كيف كان سفرك وكيف كان طريقك؟ كان كذا وكذا، فأقبل الشامي يقول: صدقت أسلمت لله الساعة، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): بل آمنت بالله الساعة، إن الاسلام قبل الإيمان وعليه يتوارثون ويتناكحون والإيمان عليه يثابون، فقال الشامي: صدقت فأنا الساعة أشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنك وصي الأوصياء ثم التفت أبو عبد الله (عليه السلام) إلى حمران، فقال: تجري الكلام على الأثر فتصيب، والتفت إلى هشام بن سالم فقال: تريد الأثر ولا تعرفه، ثم التفت إلى الأحول، فقال: قياس رواغ تكسر باطلا بباطل إلا أن باطلك أظهر، ثم التفت إلى قيس الماصر، فقال: تتكلم وأقرب ما تكون من الخبر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبعد ما تكون منه، تمزج الحق مع الباطل وقليل الحق يكفي عن كثير الباطل أنت والأحول قفازان حاذقان، قال يونس: فظننت والله أنه يقول لهشام قريبا مما قال لهما، ثم قال: يا هشام لا تكاد تقع تلوي رجليك إذا هممت بالأرض طرت، مثلك فليكلم الناس، فاتق الزلة والشفاعة من ورائها إن شاء الله.
* الشرح:
قوله (وفرائض) لعل المراد بها العبادات المفروضة أو المكتوبة مطلقا، ويحتمل أن يراد بها أحكام المواريث (1) لأن إطلاقها عليها شائع، وبالجملة وصف نفسه بالقوة النظرية والعملية ليترفع قدره ولا يستنكف عن مناظرته وقد كان ذلك دأب السابقين وأرباب المناظرة.