شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٥ - الصفحة ٧٧
قوله: (لما أثبتنا) يعني بالعقل لا بالنقل لئلا يدور (1) إذ إثبات الرسول متوقف على العلم بوجود الصانع فلو انعكس لزم الدور.
قوله (أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق) المراد بالخالق هو الموجد على تقدير معلوم ووزن مخصوص، وبالصانع هو الموجد على تدبير ومصالح لا تغيب عمن نظر إلى أحوال الحيوانات والنباتات والجمادات وغير ذلك من المكونات وقد اشتمل على بعض ما في أعضاء الإنسان من المصالح والمنافع، علم التشريح، وبالتعالي: تعاليه عن مجانستنا ومشابهتنا وأزمنتنا وأمكنتنا، وعن مشابهة شيء من المخلوقات بشيء من الذات والصفات كل ذلك يحكم به من له عقل صريح وقلب صحيح.
قوله: (وكان ذلك الصانع حكيما متعاليا لم يجز أن يشاهد خلقه ولا يلامسوه) أشار بذلك إلى الموصوف بالصفات المذكورة للتنبيه على أنه صار كالمشاهد المحسوس لأجل تلك الصفات، والحكيم: هو العالم المتقن الذي يعلم الأشياء كما هي ولا يفعل شيئا عبثا وإنما يفعه لأمر ما، وإنما قيد الصانع بالحكمة والمتعالي بعدم جواز المشاهدة والملامسة لأن جواب لما وهو ثبوت السفراء يتوقف عليها أما على الأول فلأنه لو لم يكن حكيما لجاز أن يخلق الخلق عبثا (2) ولا يراد منهم

١ - قوله «لئلا يدور» لأن إثبات النبوة متوقف على إثبات الواجب تعالى فلو كان إثبات الواجب بقول الأنبياء (عليهم السلام) لزم توقف الشيء على نفسه بمراتب وقد ذكرنا مرارا في المجلدات السابقة أن الذين يحتجون لإثبات الواجب تعالى ولإثبات الحدوث بالإجماع والروايات فحجتهم دورية، وبالجملة لا ريب في أن إثبات النبوة متوقف على إثبات الله تعالى عقلا وسيأتي عن الشارح ما يخالف هذا عن قريب. (ش) ٢ - قوله «لم لم يكن حكيما لجاز أن يخلق الخلق عبثا» من الأصول المقررة في مذهبنا وجوب اللطف على الله تعالى وهو فعل ما يقرب العبد إلى الطاعة ويبعده عن المعصية وعليه يبتني إثبات النبوة والإمامة، ولو لم يكن اللطف لجاز أن يكون أمر التشريع مفوضا إلى الناس يضعون كل حكم يرونه للعمل به في معاملاتهم وسياساتهم ولم يفوض إليهم قطعا، وقد استدل بهذا الأصل أعني اللطف هشام بن الحكم في وجوب نصب الإمام كما يأتي أن شاء الله في قصته مع عمرو بن عبيد والشامي في محضر الصادق (عليه السلام)، وقد روى العلامة المجلسي (رحمه الله) في البحار حديثا فيه فوائد كثيرة في المجلد الثالث ننقله تبركا عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «قال الله تعالى من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما ترددت عن شيء أنا فاعله في قبض نفس المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولابد منه وما يتقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه وما يزال عبدي يبتهل إلي حتى أحبه ومن أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا وموئلا، إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته وإن من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العيادة فأكفه عنه لئلا يدخله عجب فيفسده وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا بالفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا بالغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا بالسقم ولو صححت جسمه لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا بالصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك، أني أدبر عبادي لعلمي بقلوبهم فإني عليم خبير انتهى. ثم أنا نرى عناية الله تعالى في كل شيء حتى أنه لم يهمل البقة والنملة وما هو أصغر منهما فخلق لها ما تحتاج إليه في حياتها ومعاشها فبالحري أن يكون له عناية بالإنسان خصوصا فيما يتعلق بأشرف جزئيه وهو نفسه، وقالوا: إن الأحكام الشرعية لطف في الواجبات العقلية لأن ما يعرف الإنسان بعقله حسنه وقبحه لا يستغني فيه عن الشرع حتى يقربه إلى امتثال حكم العقل إذا علم فيه ثوابا وعقابا أخرويين، فإن قيل ألا يمكن أن يكون الله تعالى مع كونه حكيما ولطيفا بعباده يرى المصلحة في تفويض أمر التشريع إلى الناس كما فوض إليهم في الصنائع والطب والعلوم الكونية ولم يبعث لذلك نبيا. ومذهب النصارى كذلك حيث خلت أناجيلهم عن الأحكام والشرائع وجعلوا أمر التشريع على عهدة الحكومات يضعون القوانين على مقتضى بيئتهم وزمانهم مع اعترافهم بالصانع الحكيم؟ قلنا لا نسلم صحة ما عليه النصارى وكونه مأخوذا عن المسيح (عليه السلام) وقد وردوا أن المؤمنين الأولين به (عليه السلام) كانوا يعملون بشريعة موسى (عليه السلام) حتى ظهر بولس ووضع عنهم العمل بالشريعة ثم أن التشريع لا يتم إلا بتجويز العقوبات على المتخلقين كالقتل والجرح والحبس والتأديب والتعزير ومصادرة الأموال وغير ذلك مما فطر الإنسان على تقبيحه إلا إذا وقع على وجهه المرضي لله تعالى وقد علم الله تعالى اختلاف الناس في الآراء وفيما يجوز به العقوبة، والحق واحد لا اختلاف فيه فلابد أن يكون الله تعالى راضيا بالحق وساخطا على خلافه، وأن يكون القاتل بغير حق مغضوبا لله تعالى فكيف يمكن أن يبغض القتل ويرضى بتشريع الناس المستلزم للقتل بغير حق البتة وأنما يناسب تجويز وضع القوانين مذهب الملاحدة المنكرين لوجوده تعالى. (ش)
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين 3
2 باب الاستطاعة 38
3 باب البيان والتعريف ولزوم الحجة 47
4 باب اختلاف الحجة على عباده 57
5 باب حجج الله على خلقه 60
6 باب الهداية أنها من الله عز وجل 68
7 باب الاضطرار إلى الحجة 75
8 باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمة (عليهم السلام)) 108
9 باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث 115
10 باب ان الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بامام 121
11 باب أن الأرض لا تخلو من حجة 122
12 باب أنه لو لم يبق في الأرض إلا رجلان لكان أحدهما الحجة 128
13 باب معرفة الإمام والرد اليه 130
14 باب فرض طاعة الأئمة 150
15 باب في أن الأئمة شهداء الله عز وجل على خلقه 162
16 باب ان الأئمة عليهم السلام هم الهداة 167
17 باب ان الأئمة عليهم السلام ولاة امر الله وخزنة علمه 169
18 باب أن الأئمة عليهم السلام خلفاء الله عز وجل في أرضه 174
19 وأبوابه التي منها يؤتى 174
20 باب أن الأئمة عليهم السلام نور الله عز وجل 177
21 باب ان الأئمة هم أركان الأرض 183
22 باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته 193
23 باب أن الأئمة (عليهم السلام) ولاة الامر وهو الناس المحسودون الذين ذكرهم الله عز وجل 252
24 باب أن الأئمة (عليهم السلام) هم العلامات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه 260
25 باب أن الآيات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه هم الأئمة (عليهم السلام) 262
26 باب ما فرض الله عز وجل ورسوله (صلى الله عليه وآله) من الكون مع الأئمة (عليهم السلام) 263
27 باب أن أهل الذكر الذين أمر الله الخلق بسؤالهم هم الأئمة (عليهم السلام) 270
28 باب أن من وصفه الله تعالى في كتابه بالعلم هم الأئمة (عليهم السلام) 275
29 باب أن الراسخين في العلم هم الأئمة (عليهم السلام)) 277
30 باب أن الأئمة قد أوتوا العلم وأثبت في صدورهم 280
31 باب في أن من اصطفاه الله من عباده وأورثهم كتابه هم الأئمة (عليهم السلام) 281
32 باب أن الأئمة في كتاب الله إمامان: إمام يدعو إلى الله وإمام يدعو إلى النار 283
33 باب [أن القرآن يهدي للإمام] 286
34 باب أن النعمة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه الأئمة (عليهم السلام) 287
35 باب أن المتوسمين الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه هم الأئمة (عليهم السلام) والسبيل فيهم مقيم 288
36 باب عرض الأعمال على النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) 291
37 باب أن الطريقة التي حث على الاستقامة عليها ولاية علي (عليه السلام) 293
38 باب ان الأئمة معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة 295
39 باب أن الأئمة (عليهم السلام) ورثة العلم، يرث بعضهم بعضا العلم 298
40 باب أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم 301
41 باب أن الأئمة (عليهم السلام) عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله عز وجل وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها 309
42 باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة (عليهم السلام) وانهم يعلمون علمه كله 312
43 باب ما أعطي الأئمة (عليهم السلام) من اسم الله الأعظم 317
44 باب ما عند الأئمة من آيات الأنبياء (عليهم السلام) 320
45 باب ما عند الأئمة من سلاح رسول الله عليه وآله ومتاعه 323
46 باب أن مثل سلاح رسول الله مثل التابوت في بني إسرائيل 333
47 باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام 334
48 باب في شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر وتفسيرها 344
49 فهرس الآيات 354