والقب المتوغل في الباطل لا ينفعه الخصومة بل ربما تضره (إن الله تعالى قال لنبيه: (إنك لا تهدي من أحببت)) يعني لا تقدر أن توصله إلى المطلوب وتدخله في دين الإسلام (ولكن الله يهدي من يشاء) أي يوصله إلى المطلوب ويدخله في الإسلام، ويمكن أن يراد بالهداية هنا التوفيق وإيجاد اللطف وأن الله سبحانه هو الذي يحول بين المرء وقلبه فهو الهادي بهذا المعنى دون غيره، وفيه تسلية لهم بأنه إذا لم يقدر النبي (صلى الله عليه وآله) على هدايتهم بأنتم أولى بعدم القدرة عليها (وقال: (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)) إنكار لإكراهه وإجباره إياهم على الإيمان تحقيقا لمعنى التكليف والثواب والجزاء.
وقال الشيخ أبو علي في تفسيره: معناه أنه لا ينبغي أن تريد إكراههم على الإيمان مع أنك لا تقدر عليه لأن الله تعالى يقدر عليه ولا يريده لأنه ينافي التكليف، وأراد بذلك تسلية النبي (صلى الله عليه وآله) وتخفيف ما يلحقه من التحسر والحرص على إيمانهم عنه، وفي هذا دلالة على بطلان قول المجبرة أنه تعالى لم يزل كان شائيا وأنة لا يوصف بالقدرة على أن يشاء لأنه أخبر أنه لو شاء لقدر لكنه لم يشأ فلذلك لم يوجد، وإن كانت مشيته أزلية لم يصح تعليقها بالشرط، ألا ترى أنه لا يصح أن يقال:
لو علم الله ولو قدر كما صح أن يقال: لو شاء ولو أراد، وفي كتاب عيون أخبار الرضا (عليه السلام) قال له المأمون: «ما معنى قوله الله جل ثناؤه (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)، (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله)؟ فقال الرضا (عليه السلام) حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: إن المسلمين قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله): لو أكرهت يا رسول الله من قدرت عليه من الناس على الإسلام لكثر عددنا وقوينا على عدونا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما كنت لألقى الله عز وجل ببدعة لم يحدث إلي فيها شيئا وما أنا م المتكلفين فأنزل الله تبارك وتعالى يا محمد (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا) على سبيل الإلجاء والاضطرار في الدنيا كما يؤمن عند المعاينة ورؤية البأس وفي الآخرة، ولو فعلت ذلك بهم لم يستحقوا مني ثوابا ولا مدحا لكني اريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرين ليستحقوا مني الزلفى والكرامة ودوام الخلود في جنة الخلد (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) وأما قوله عز وجل (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بأذن الله) فليس على سبيل تحريم الإيمان عليها ولكن على معنى أنة اما كانت لتؤمن إلا باذن الله وإذنه أمره لها بالإيمان ما كانت مكلفة متعبدة، وإلجاؤه إياها إلى الإيمان عند زوال التكليف والتعبد عنها. فقال المأمون: فرجت عني يا أبا الحسن فرج الله عنك (ذروا الناس) اتركوهم بحالهم ولا تقصدوا مخالطتهم ومؤالفتهم في دينهم (فان الناس