شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٥ - الصفحة ٢١٨
العالم بالقوانين العربية.
قوله: (وعييت البلغاء) البليغ: هو العارف بقوانين الفصاحة والبلاغة والقادر على تأليف كلام فصيح بليغ.
قوله: (عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله) الجار متعلق بضلت العقول وما عطف عليه على سبيل التنازع، والشأن: الأمر و الحال والوصف، ولعل المراد به تصرفاته في عالم الإمكان والأعمال البدنية وهو كل آن وزمان في شأن، وبالفضيلة: العلوم العقلية والكمالات النفسية.
قوله: (وأقرت بالعجز والتقصير) أي أقرت العقول والحلوم والألباب و غيرهم من الأصناف المذكورة التي هي أشرف أصناف الخلق بالعجز والتقصير عن معرفة شأن واحد من شؤون الإمام وفضيلة واحدة من فضائله فغيرهم أولى بالعجز.
قوله: (وكيف يوصف بكله أو ينعت بكنهه) أي بكل الوصف وبكنه النعت والاستفهام للإنكار لعدم القدرة على معرفة ذلك.
قوله: (ويغني غناه) (1) الإمام من يغني الناس بكل ما طلبوه منه من أحوال المبدأ والمعاد

١ - قوله: «ويغني غناه» الفوائد العظيمة المترتبة على وجود الإمام المعصوم المنصوب من الله تعالى لا تترتب على حكومة غيره البتة كيفما كان، وقد ذكر العلماء بهذا الشأن أقسام الحكومة قديما وجديدا ولا يسعنا الآن تفصيل جميعها إلا بإشارة إجمالية إلى بعض ما اشتهر عند الناس حسنها ورجحانها ولا ريب أن الحكومة القسرية وهي أن يكون الولاة جماعة مخالفة في الآراء والأهواء للمرؤسين ويقهروهم على قبول آرائهم مباينة بطبيعة الإنسان فإنه خلق مختارا والقهر على خلاف طبيعته والإنسان المقهور على خلاف آرائه كالنبات تحت خباء لا ينمو البتة ولا يورق ولا يثمر، وإن كانت الولاة صالحين والأمة فاسدة فشأن الصلحاء تعليم الناس الآراء المحمودة والأخلاق الفاضلة حتى يستعدوا لقبول حكومة الصلحاء بطبعهم والحكومة الطبيعية أن يكون الأمة موافقة للولاة في آرائها وأهوائها محمودة كانت أو مذمومة وعلى هذا فلا كلام إلا في أقسام الحكومة الطبيعية وهي تابعة لأقسام أهواء الناس و آرائهم، قد ذكر الفارابي في كتابه الموسوم بالسياسات المدنية بعد أن أخرج منهم الإنسان غير المتمدن وسماهم نوابت الاجتماع وشبههم بالشيلم في الحنطة مرة وبالبهائم أخرى و قال: انهم ليسوا مدنيين ولا تكون لهم اجتماعات مدنية أصلا قال: المدنيون على أنحاء كثيرة منها اجتماعات ضرورية، ومنها اجتماع أهل النذالة في المدن النذلة، ومنها الاجتماع الخسيس في المدن الخسيسة، ومنها اجتماع الكرامة من المدن الكرامية، ومنها الاجتماع التغلبي في المدن التغلبية، ومنها اجتماع الحرية في مدينة الجماعة ومدينة الأحرار. وشرح كل واحد منها وشرائط رئيسهم ووجوه معاشهم وآراء أممهم وأهوائهم ومفاسد كل و نكتفي بنقل ما ذكره في مدينة الأحرار وهي الحكومة الديمقراطية في اصطلاح عصرنا وبثبوت عدم كونها مدينة فاضلة تثبت عدم كون غيرها بطريق أولى ولعلنا نشير إلى تفسير بعض ما ذكره في موضع آخر.
قال أبو نصر الفارابي: فأما المدينة الجماعية فهي المدينة التي كل واحد من أهلها مطلق مخلى بنفسه يعمل ما شاء وأهلها متساوون ويكون سننهم أن لافضل لإنسان على إنسان في شيء أصلا ويكون أهلها أحرارا يعملون بما شاؤوا وهؤلاء لا يكون لأحد منهم على أحد منهم ومن غيرهم سلطان إلا أن يعمل فيما تزاد به حريتهم فتحدث فيهم أخلاق كثيرة و همم كثيرة وشهوات كثيرة والتذاذ بأشياء كثيرة لا تحصى كثيرة وتكون أهلها طوائف كثيرة متشابهة ومتبائنة لا يحصون كثيرة (إلى أن قال:) ويكون من يراسهم إنما يرأسهم بإرادة المرؤوسين ويكون رؤساؤهم على هوى المرؤوسين وإذا استعصى امرهم لم يكن فيهم في الحقيقة لا رئيس ولا مرؤوس إلا الذين هم محمودون عندهم (.......) ويكون جميع الهمم والأغراض الجاهلية من هذه المدينة على أتم ما يكون وأكثر، وتكون هذه المدينة من مدنهم هي المدينة المعجبة والمدينة السعيدة (.......) وتكون محبوبة محبوب السكنى بها عند كل أحد لأن كل انسان كان له هوى وشهوة ما قدر على نيلها من هذه المدينة فيهرع الأمم إليها فيسكنونها فيعظم عظما بلا تقدير ويتوالد فيها الناس من كل جيل (...) وتجمع فيها الأهواء والسير كلها فلذلك ليس يمتنع إذا تمادى الزمان بها إن ينشأ فيها الأفاضل فيتفق فيها وجود الحكماء والخطباء والشعراء في كل ضرب من الأمور ويمكن أن يتلقط منها أجزاء للمدينة الفاضلة وهذا من حين ما نشأوا في هذه المدينة ولهذا صارت هذه أكثر المدن الجاهلية خيرا وشرا معا وكلما صارت أكبر وأعم وأكثر أهلا وأرحب وأكمل للناس كان هذان أكثر وأعظم. انتهى ما أردنا نقله من كتابه في السياسات المدنية وقد وصف من قبل ألف سنة المدن الديمقراطية الحاضرة كأنه رآها ودخلها وسبر أهلها ولعل من نشأ وتربى مدة من عمره في واشنكتن أو لندن لم يقدر على وصف المدينة بهذه الصفة وبالجملة المدينة الجماعية في اصطلاحه هي التي قبلها كثير من بلاد النصارى في زماننا وحصل فيها ما ذكره الفارابي من وجود الحكماء والخطباء ومع ذلك ليست هي عنده المدينة الفاضلة التي هي الغاية المقصودة لاجتماع الإنسان ولا عند الشيعة الإمامية فإنها المدينة التي أهلها صالحون يجرى فيها أحكام الله تعالى المنزلة على رسوله بيد الإمام المعصوم ومدينة الجماعية لا تخلو عن خطأ وغلط و استئثار وإن كانت تخلو عن الظلم والفتن في الجملة. (ش)
(٢١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين 3
2 باب الاستطاعة 38
3 باب البيان والتعريف ولزوم الحجة 47
4 باب اختلاف الحجة على عباده 57
5 باب حجج الله على خلقه 60
6 باب الهداية أنها من الله عز وجل 68
7 باب الاضطرار إلى الحجة 75
8 باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمة (عليهم السلام)) 108
9 باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث 115
10 باب ان الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بامام 121
11 باب أن الأرض لا تخلو من حجة 122
12 باب أنه لو لم يبق في الأرض إلا رجلان لكان أحدهما الحجة 128
13 باب معرفة الإمام والرد اليه 130
14 باب فرض طاعة الأئمة 150
15 باب في أن الأئمة شهداء الله عز وجل على خلقه 162
16 باب ان الأئمة عليهم السلام هم الهداة 167
17 باب ان الأئمة عليهم السلام ولاة امر الله وخزنة علمه 169
18 باب أن الأئمة عليهم السلام خلفاء الله عز وجل في أرضه 174
19 وأبوابه التي منها يؤتى 174
20 باب أن الأئمة عليهم السلام نور الله عز وجل 177
21 باب ان الأئمة هم أركان الأرض 183
22 باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته 193
23 باب أن الأئمة (عليهم السلام) ولاة الامر وهو الناس المحسودون الذين ذكرهم الله عز وجل 252
24 باب أن الأئمة (عليهم السلام) هم العلامات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه 260
25 باب أن الآيات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه هم الأئمة (عليهم السلام) 262
26 باب ما فرض الله عز وجل ورسوله (صلى الله عليه وآله) من الكون مع الأئمة (عليهم السلام) 263
27 باب أن أهل الذكر الذين أمر الله الخلق بسؤالهم هم الأئمة (عليهم السلام) 270
28 باب أن من وصفه الله تعالى في كتابه بالعلم هم الأئمة (عليهم السلام) 275
29 باب أن الراسخين في العلم هم الأئمة (عليهم السلام)) 277
30 باب أن الأئمة قد أوتوا العلم وأثبت في صدورهم 280
31 باب في أن من اصطفاه الله من عباده وأورثهم كتابه هم الأئمة (عليهم السلام) 281
32 باب أن الأئمة في كتاب الله إمامان: إمام يدعو إلى الله وإمام يدعو إلى النار 283
33 باب [أن القرآن يهدي للإمام] 286
34 باب أن النعمة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه الأئمة (عليهم السلام) 287
35 باب أن المتوسمين الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه هم الأئمة (عليهم السلام) والسبيل فيهم مقيم 288
36 باب عرض الأعمال على النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) 291
37 باب أن الطريقة التي حث على الاستقامة عليها ولاية علي (عليه السلام) 293
38 باب ان الأئمة معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة 295
39 باب أن الأئمة (عليهم السلام) ورثة العلم، يرث بعضهم بعضا العلم 298
40 باب أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم 301
41 باب أن الأئمة (عليهم السلام) عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله عز وجل وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها 309
42 باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة (عليهم السلام) وانهم يعلمون علمه كله 312
43 باب ما أعطي الأئمة (عليهم السلام) من اسم الله الأعظم 317
44 باب ما عند الأئمة من آيات الأنبياء (عليهم السلام) 320
45 باب ما عند الأئمة من سلاح رسول الله عليه وآله ومتاعه 323
46 باب أن مثل سلاح رسول الله مثل التابوت في بني إسرائيل 333
47 باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام 334
48 باب في شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر وتفسيرها 344
49 فهرس الآيات 354