في ذلك هو الإجماع الواقع في الصدر الأول حتى قال أبو بكر في خطبته: إن محمدا مات ولابد لهذا الدين ممن يقوم به، فبادروا إلى تصديقه وقبلوا قوله، ولم يخالف في ذلك أحد وتبعهم في ذلك التابعون وتابعوهم إلى هلم. وقال بعض الناس: إن دليل وجوب نصبه إنما هو العقل لأن في ترك الناس لا إمام لهم مع اختلاف الآراء فسادا في الدين والدنيا.
وقال الآبي: القائل بوجوبه عقلا الإمامية (1) والجاحظ والكعبي وأبو الحسين البصري ثم اختلف هؤلاء، فقال الإمامية: الوجوب في ذلك إنما هو على الله سبحانه وتعالى. وقال الجاحظ وصاحباه إنما الوجوب في ذلك على الخلق. أقول: قول أبي بكر «لابد لهذا الدين ممن يقوم به» إما صادق أو كاذب فعلى الثاني: لزم كذبه وكذب من صدقه وبطلان الإجماع، وعلى الأول: فإما أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله) عالما بأنه لابد لهذا الدين من يقوم به أو لم يكن؟ فعلى الأول: لزم أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله) مضيعا لدينه حيث لم ينصب من يقوم به دينه وتاركا للواجب، وعلى الثاني: لزم أن يكون أبو بكر أعلم منه فيما له مدخل في صلاح دينه، ثم أقول على الجاحظ والكعبي وأبي الحسين البصري إنما ذكرتم من دليل العقل إنما دل على وجوب نصبه على الرسول وتخصيصه بالامة لا وجه له، ثم قال الآبي: الأقوال في نصبه ستة: وجوب نصبه على الخلق مطلقا لدليل السمع، ووجوبه لدليل العقل على الله سبحانه، ووجوبه لدليل العقل على الخلق، ووجوب نصبه في الفتن لا في الأمن وعكسه، والسادس عدم وجوبه مطلقا وهو مذهب الخوارج (2).