باستخلاف علي (عليه السلام) مثل حديث غدير خم ومثل قوله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» غير ذلك مما يوجب ذكره بسطا في الكلام ودل على ذلك أيضا القرآن المجيد في مواضع عديدة والباعث للسابقين منهم على ترك جميع ذلك هو حب الدنيا والميل إلى الرئاسة والشقاوة الأبدية والوساوس الشيطانية وللتابعين عليه هو إتفاق السابقين على غيره بناء على أن الصحابة كلهم مرضيون عندهم، وهذا شيء لا أصل له واتفاقهم ممنوع لما مر من قول شارح الرجز وهو من أعاظم علمائهم ولعدم موافقة سلمان وأبي ذر والمقداد لهم في ذلك ولعدم دخول علي (عليه السلام) وطلحة والزبير والعباس وغيرهم من الجماعة الهاشميين في سقيفة بني ساعدة عند اختيار عمر أبا بكر لهذا الأمر كما صرح به الآبي في كتاب الإمارة من صحيح مسلم. فنحن براء من إمام نصبه فلان وفلان (في الأصل جملة غير مقروءة) دون الناس أجمعين، ثم قال القرطبي:
وجب نصب الخليفة خلافا للأصم فإنه قال: لا يجب نصبه، واحتج ببقاء الصحابة دون خليفة مدة التشاور يوم السقيفة وبعد موت عمر.
أقول: إن أراد أن وجوب النصب مختص بالامة فلابد لدعوى هذا الاختصاص من دليل وليس، فليس، وهل هذا إلا مثل أن يقال: وجب علينا حفظ مال زيد وعرضه لا على زيد، وإن أراد وجوب نصبه على الإطلاق مع قوله «بأن النبي لم ينصبه» لزم إسناد ترك الواجب إلى النبي ولزمهم أيضا أن من مات في مدة التشاور من المؤمنين أن يكون كافرا لما رووه عنه (صلى الله عليه وآله) «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» وقال الآبي: القائلون بأنه لا يجب نصب الإمام في شيء من الأيام بل إن نصب جاز، وإن ترك جاز; إنما هم الخوارج. وأما الأصم فالمحكي عنه التفصيل وهو ما أشار إليه الآمدي حيث قال: ذهب الأصم إلى أنه يجب نصبه عند الخوف وظهور الفتن ولا يجب نصبه عند الأمن وانتصاف الناس بعضهم من بعض للاستغناء عنه وعدم الحاجة إليه. وذهب القرطبي وأتباعه إلى عكس ذلك فقالوا: لا يجب نصبه عند الفتن لأنهم أنفوا من طاعته وقد يقتلونه فيكون نصبه زيادة في الفتن. وذهب أهل السنة وأكثر المعتزلة إلى وجوب نصبه مطلقا لدليل السمع (1) والسمع