لأنه مأمور بتبليغه وعدم وقوع متعلقه لانتفاء الشرط لا ينافي صدقه. نعم فيه دلالة على أن الأنبياء (عليهم السلام) لا يعملون جميع أسرار القدر، ولا يبعد أن يكون الغرض من أمرهم بتبليغ أمثال ذلك (1) أن يظهر للخلق أن لله تعالى علوما لا يعلمها إلا هو، والله أعلم (وعلم عنده مخزون يقدم منه ما يشاء ويؤخر منه ما يشاء ويثبت ما يشاء) باختياره وإرادته إن كان لكل واحد من التقديم والتأخير والإثبات مصلحة تقتضيه وهذا هو المراد بالبداء هنا. توضيح ذلك أن الله سبحانه عالم في الأزل بالأشياء ومنافعها ومصالحها فإذا كان لشيء مصلحة في وقت من وجه وفي وقت من وجه آخر إن شاء قدمه وإن شاء أخره (2) وكذا إذا كان لشيء مصلحة في وقت دون وقت آخر بينه في ذلك الوقت بإرادته وعلمه في الأزل بإثباته في ذلك الوقت وتقديمه وتأخيره على حسب الاختيار، والإرادة الحادثة لا ينافي الاختيار والقدرة بل يؤكدهما ولا يوجب تغيير علمه أصلا وإنما يوجب تغييره لو علم أنه يؤخره ولا يثبته مثلا فقدمه وأثبته.
لا يقال: لو كان البداء عبارة عن الإيجاد بالاختيار والإرادة كان في القسم الأول أيضا بداء لضرورة أن ما وقع فيه التعليم أيضا يوجده بالاختيار والإرادة.
لأنا نقول: المعتبر في البداء أن يوجده بالاختيار والإرادة الحادثة عند وقت الإيجاد (3) وإن لا