شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٢٤٩
في الأولى; إذ الماضي لا قدرة عليه بخلاف الآتي. وفيه أن الأمور الآتية قد تكون محتومة (1) كما ذكرنا سابقا ودل عليه أيضا حديث مولانا الرضا (عليه السلام).
* الأصل:
8 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن جعفر بن عثمان، عن سماعة، عن أبي نصير، ووهب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن لله علمين علم مكنون مخزون، لا يعلمه إلا هو من ذلك يكون البداء، وعلم علمه ملائكته ورسله وأنبياءه فنحن نعلمه.
* الشرح:
(عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن جعفر بن عثمان، عن سماعة، عن أبي بصير، ووهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن لله علمين علم مكنون مخزون لا يعلمه إلا هو من ذلك يكون البداء) (2) أي إيجاد فعل بالتقدير والتدبير والإرادة

١ - قوله: «قد تكون محتومة» قد تدل على جزئية الحكم، والحق أن القضية كلية وأن الأمور تكون مطلقا محتومة في علم الباري تعالى وإنما يكون الترديد عند النفوس الناقصة. (ش) ٢ - قوله: «من ذلك يكون البداء» سبق هذا المعنى في حديث الفضيل بن يسار عن الباقر (عليه السلام) وفي معناه روايات أخر مروية في البحار وغيره وهو حديث مستفيض مؤيد بالعقل على ما سبق وبه يضعف صحة ما روى في بعض الأخبار من أن بعض الأنبياء أو الأئمة (عليهم السلام) أخبروا بشيء على البت فلم يقع كما أخبروا للبداء لأنه يرتفع الاعتماد عن أخبار الحجج (عليهم السلام) كما مضى لكن العلامة المجلس (رحمه الله) وقبله صدر المتألهين (قدس سره) التزما بصحة ذلك وأن الأئمة (عليهم السلام) ربما لم يطلعوا على لوح المحو والإثبات وأخبروا بشيء لم يقع على ما أخبروا. قال صدرا المتألهين: إن القوى المنطبعة الفلكية لما حصل لها العلم بموت زيد بمرض كذا في ليلة كذا لأسباب تقتضى ذلك ولم يحصل لها العلم بتصدقه الذي سيأتي به قبل ذلك الوقت لعدم اطلاعها على أسباب التصدق بعد ثم علمت به وكان موته بتلك الأسباب مشروطا بأن لايتصدق فتحكم أولا بالموت وثانيا بالبرء، وإذا كانت الأسباب لوقوع أمر ولا وقوعه متكافئة ولم يحصل لها العلم برجحان أحدهما بعد لعدم مجيء أوان سبب ذلك الرجحان بعد كان لها التردد في وقوع ذلك الأمر - إلى أن قال - فإذا اتصلت بتلك القوى نفس النبي أو الإمام (عليه السلام) وقرأ فيها بعض تلك الأمور فله أن يخبر بما رآه بعين قلبه أو شاهده بنور بصيرته أو سمع بأذن قلبه. انتهى ما أردنا.
ولعل مراده أن الحجة يخبر بما رآه وسمعه لا على سبيل البت والقطع بل على الاحتمال والترديد ثم نقول: اطلاع بعض النفوس والقوى على الغائبات أمر ممكن صحيح سواء قلنا بالفلك والنفوس المنطبعة الفلكية أو لا; إذ لا ريب في وجود موجودات مجردة غيبية لهم علم بما سيأتي كما يظهر لنا في الرؤيا الصادقة ونسميها ملائكة وإن سماه نفوسا فلكية ولا يبعد عدم علم بعضهم بجميع الشرائط كما ذكره (قدس سره) وأما اطلاع الأئمة (عليهم السلام) واتصال نفوسهم بتلك النفوس فهو ممكن أيضا لكن لا يشتبه عليهم الأمر بأن يظنوه محتوما ويخبروا به على البت.
وقال العلامة المجلسي في البحار: يظهر من بعض الأخبار أن البداء لا يقع فيما يصل علمه إلى الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) ويظهر من كثير منها وقوع البداء فيما يصل إليهم أيضا ويمكن الجمع بوجوه ثم ذكر الوجوه; منها: أن المراد بالأولة الوحي ويكون ما يخبرون به من جهة الإلهام واطلاع نفوسهم على الصحف السماوية يعني يكون ما يخبرون به ويقع فيه البداء مما ألهموا به، لا من الله من اللوح المحفوظ بل باطلاع نفوسهم على الصحف السماوية، فيكون إخبارهم بها من قبل أنفسهم لا على وجه التبليغ وأما ما أمروا بتبليغه فلا يقع فيه البداء، والصحف السماوية التي ذكرها هي القوى المنطبعة الفلكية التي ذكرها صدر المتألهين، ويبقى هنا سؤال الفرق بين الوحي والإلهام وجواز الخطأ والتغيير في الإلهام دون الوحي، فإن كان إخبارهم بخلاف الواقع قادحا في عصمتهم فلا فرق بينهما، ثم نقول هل الأئمة (عليهم السلام) يميزون بين ما ألهموا وبين ما أوحي إليهم مما لا يتغير أولا وبعد التميز هل يعلمون أن ما اطلعوا عليه في الصحف السماوية ربما لا يكون موافقا للواقع أولا وإن علموا هل يخبرون بما رأوا على سبيل البت أو لا يخبرون إلا على وجه الاحتمال ولابد للعلامة المجلسي (رحمه الله) أن يجيب بأنهم يميزون ولا يخبرون في ما رأوا إلا على وجه الاحتمال فيرجع جوابه إلى الوجه الرابع الذي نقله عن الشيخ الطوسي (رحمه الله) وهو أن الحجج (عليهم السلام) لم يخبروا قط بشيء يقع فيه البداء على البت وهو الكلام القاطع لمادة الإشكال وإن توهم متوهم أن نبيا أو وصيا ألقي في روعه شيء ولم يميز بين كونه محتوما وغير محتوم تطرق نعوذ بالله إلى جميع أحكام الشرايع والمبدأ والمعاد احتمال الخطأ برفع العصمة، ثم قال العلامة المجلسي: الثالث أن تكون الأولة يعني عدم البداء محمولة على الغالب فلا ينافي ما وقع على سبيل الندرة وهو ضعيف جدا إذ تطرق الخطأ إلى الوحي والإلهام ولو مرة واحدة يرفع الاعتماد عن قول الأنبياء، ولا يجوز الغلو في تصحيح الروايات بحيث يلزم منه إبطال أصل الشريعة. وقلنا في حاشية الوافي (الصفحة 178 من المجلد الثاني): اعتقادنا أن الحجج (عليهم السلام) معصومون يحفظهم الله عن الاتصال بالنفوس الجاهلة وعن أن يغلطوا فيما يوحى إليهم ولا يمكن أن يظنوا ما ليس حقا من جانب الله وحيا مطابقا للواقع. (ش)
(٢٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 ... » »»
الفهرست