شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٢٥٨
وإنفاذه والفراغ منه ولا يتصور ذلك بدون القضاء، ثم أكد ذلك بقوله:
(والعلم متقدم على المشية (1)، والمشية ثانية والإرادة ثالثة والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء) النسبة بين التقدير والقضاء كالنسبة بين العلم والمعلوم في التقدم والتأخر فكما أن العلم واقع على المعلوم منطبق عليه إذا وجد المعلوم كذلك التقدير واقع على القضاء منطبق عليه إذا وجد القضاء بالإمضاء، ثم لما كان الانطباق من الطرفين كان القضاء أيضا منطبقا على التقدير واقعا على وفقه (فلله البداء فيما علم متى شاء (2) وفيما أراد لتقدير الأشياء فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء) أشار بذلك إلى إذا لوحظت تلك الأسباب من أولها إلى أعلى المسببات أعني القضاء بالإمضاء كان له تعالى البداء في كل مرتبة من مراتب تلك الأسباب إذ له أن يشاء وأن لا يشاء بقدرته واختياره على ما يقتضيه الحكمة والمصلحة وأن يريد وأن لا يريد وأن يقدر وأن لا يقدر، وهذا معنى البداء في حقه تعالى. وإذا لوحظت تلك المسببات من آخرها وهو القضاء بالإمضاء لا بداء له في شيء من مراتبها; لأن تحقق القضاء دليل على وقوع جميع أسبابها، ووقوع ما وقع خارج عن متعلق القدرة والإرادة إذ لا

1 - قوله: «العلم متقدم على المشية» المراد به التقدم بالعلية وبذلك ثبت أن العلية لا تقتضي التقدم الزماني بل العلية نفسها مناط التقدم. (ش) 2 - قوله: «فلله البداء فيما علم متى شاء» لا يظهر المراد من البداء هنا حق الظهور إلا بعد ما سيجيء إن شاء الله تعالى من تفسير مراتب القضاء وبعد اللتيا والتي، فالبداء ليس يستحق هذه العناية والتهويل الذي اهتم به المتأخرون واستوعروا مسلكه واستصعبوا حله ولست أرى فيه شيئا أوجب هذا الاستعضال، وفهم وجه عنايتهم به عندي أشكل من أصل المسألة وما أدري سبب هذه العناية التامة العجيبة وذلك لأنه لا خلاف بين علمائنا في أن البداء محال على الله تعالى كما مر وأنه لا يجوز التغير في علمه ولا يجوز عليه الكذب بأن يخبر الحجج بوقوع ما لا يقع أصلا ولا أن يمكن أنبيائه ورسله من اعتقاد الأمر الباطل، وأيضا لا خلاف بينهم في أن ما ورد في الروايات من نسبة البداء إلى الله تعالى فهو مثل نسبة الرضا والغضب والكراهة والحب والحزن والأسف يجب تأويله بوجه صحيح يمكن نسبته إلى الله تعالى، وحينئذ فالاختلاف في البداء لفظي نظير أن يختلفوا في أن الله تعالى هل يغضب أو لا، فمن نفاه فمراده نفي حقيقته ومن أثبته فلا بد أن يؤوله، ولما كان مقام بيان العقائد فالصحيح أن يقال لابداء كما لا غضب ولا رضاء وليس له تعالى يد ولا رجل ولا عين ولا إذن كما نقلناه عن المحقق الطوسي وغيره من العلماء، ولا وجه لاعتراض أهل الحديث عليهم بروايات لا يخالفون في وجوب تأويلها وإن اختلفوا في وجه التأويل، وما أشبه مسألتنا بمسألة الجهة عند مشبهة العامة حيث يوافقون غيرهم في أنه تعالى ليس جسما ولا يحويه مكان ويوجبون التعبد بالتصريح بكلمة الاستعلاء على العرش، وهكذا يوجب بعض علمائنا التعبد بالتلفظ بالبداء وإن وافقوا غيرهم في نفي معناه، والعامة أيضا يوجبون التلفظ بإمكان رؤية الله تعالى للمؤمنين في الآخرة.
وفي البداء أمور ونكات رأينا أن نشير إليها في تضاعيف مباحث القضاء والقدر ومطاوي الأحاديث الآتية لجهات ستظهر إن شاء الله تعالى. (ش)
(٢٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 ... » »»
الفهرست