شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٢٢٧
(وهكذا الرضا والغضب وغيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك) في كونه وصفا له تعالى مجازا باعتبار أنه وصف لوليه حقيقة، ولما أشار إلى أن نسبة الأسف إليه تعالى مثل نسبة الطاعة ونظايرها في الآيات المذكورة إليه وبذلك لا يثبت امتناع اتصافه بالأسف، أشار إلى البرهان عليه تحقيقا لقوله وليس أن ذلك يصل إلى الله تعالى كما يصل إلى خلقه بقوله:.
(ولو كان يصل إلى الله الأسف والضجر) الضجر - محركة -: الغلق من الغم.
(وهو الذي خلقهما وأشباههما) الواو الأولى للحال والثانية للعطف على الأسف أو على مفعول خلقهما، والمراد بأشباههما نظايرهما التي نسبت إليه سبحانه (لجاز لقائل هذا) أي هذا القول وهو أن الأسف والضجر يصل إلى الله (أن يقول أن الخالق) للأشياء الواجب لذاته (يبيد) أي يهلك وينقطع وجوده (يوما ما) وفي وقت من الأوقات (لأنه إذا دخله الغضب والضجر دخله التغير); لأن الغضب هو ثوران القوة والتغير على الغير لقصد الانتقام والتشفي. والضجر اضطراب النفس وتغيرها خوفا من فوات المقصود أو لحوق الضرر (وإذا دخله التغير لم يؤمن عليه الإبادة) أي إهلاك التغير إياه; لأن التغير المفرط كثيرا ما يهلك صاحبه دفعة وقد يورث أمراضا أخر مهلكة ولو بعد حين، وفناء الواجب بالذات وإبادته ممتنع (ثم لم يعرف المكون من المكون ولا القادر من المقدور عليه ولا الخالق من المخلوق) لوقوع التشابه بينهما باعتبار اتصاف كل منهما بصفات الآخر ولاشتراكهما في معنى الإمكان والحدوث; لأن كل متغير ممكن حادث، والظاهر أن هذا دليل آخر على المطلوب (تعالى الله عن هذا القول) المستلزم لتجويز الفناء على الخالق وعدم الفرق بينه وبين المخلوق (علوا كبيرا) في وصف العلو بالكبير إشعار بأنه لا يبلغ أحد كنه علوه تعالى (بل هو الخالق للأشياء) كلها في سلسلة نظام الوجود (1) (لا لحاجة) إلى شيء منها لأنه الغني

1 - قوله: «في سلسلة نظام الوجود» السلسلة والنظام يدلان على الترتب والتقدم والتأخر، مثلا: إذا ترتب علل ومعلولات متعددة كحركة جسم تكون علة لحركة جسم آخر وهي لآخر وهكذا كحلق السلسلة إذا مددت إحداهما اتبع الأولى الثانية، والثانية الثالثة، فينتظم في ذهن الإنسان من تصور الترتيب سلسلة على ما ذكر، وإن لم تكن العلل والمعلولات محسوسة كتصور معنى أوجب تصور معنى آخر وهو أوجب تصور معنى ثالث أو الحسد في النفس أوجب الحقد، والحقد أوجب الغضب، والغضب أوجب إرادة الانتقام. فإن هذه الأمور الغير الجسمانية أيضا توجب تصور سلسلة منتظمة وقد يكون جميعها في زمان واحد لكن يتصور فيه تقدم وتأخر ويتعقل شيء كالزمان مسمى عند السيد الداماد (قدس سره) بالدهر وهو غير الزمان ويستلزم تصور معنى حدوث سماه بالحدوث الدهري وهو أشبه بالزماني فإن الزمان أيضا يتمثل من ترتب أمور متقدمة ومتأخرة كالدهر وقالوا:
الدهر وعاء الثابتات وهو ملاك التقدم والتأخر فيهما كما أن الزمان وعاء المتغيرات وهذا الوعاء أمر ذهني لا خارجي سواء كان زمانا أو دهرا، ومنشأ انتزاعه الموجودات المترتبة المتسلسلة ويلحق بهذين الوعاءين معنى آخر تصوري يضاف إلى ذات الله وأسمائه وصفاته حيث لا تأخر ولا تقدم فيها ومرجعه إلى نفي الدهر والزمان أي نفس التقدم التأخر والترتب والعلية والمعلولية وربما يقال: الزمان للمتغيرات والدهر للثابتات إن اعتبرت مقيسة إلى المتغيرات، والسرمد للثابتات مقيسة بعضها إلى بعض وهي اصطلاحات للتفهيم والتفريق. (ش)
(٢٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 ... » »»
الفهرست