شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٢٢٢
سمائه وأرضه، بنا أثمرت الأشجار وأينعت الثمار وجرت الأنهار وبنا ينزل غيث السماء وينبت عشب الأرض وبعبادتنا عبد الله ولولا نحن ما عبد الله.
* الشرح:
(محمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن إسماعيل، عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن سعيد، عن الهيثم بن عبد الله، عن مروان بن صباح قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الله خلقنا فأحسن خلقنا) بفتح الحاء أو ضمها والأول أنسب لفظا والثاني أحسن معنى (وصورنا فأحسن صورنا) أي صورنا الظاهرة والباطنة التي هي الإنسان في الحقيقة، والمراد بإحسانها خلقها وتصويرها على وجه الكمال من الإحكام والإتقان والتزيين بالكمالات الصورية والمعنوية والتحلية بالأخلاق النفسانية (وجعلنا عينه في عباده) أي «ديدبانه» فيما بين عباده فنراهم في حركاتهم وسكناتهم وأعمالهم ثم نشهد لهم وعليهم يوم القيامة (ولسانه الناطق في خلقه) لأنهم ينطقون بمراد الله تعالى من أسراره وأحكامه وشرايعه ومحكمه ومتشابهه ومجمله ومأوله وغير ذلك مما له مدخل في نظام الخلق وكمالهم في الدارين ولفظ اللسان استعارة (ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة) قد مر تفسيره وسنح لي الآن وجه آخر وهو أن هذا الكلام على سبيل الاستعارة التمثيلية بتشبيه رأفتهم ورحمتهم بعباد الله برحمة الرحماء بالأيتام وإمرار أيديهم على رؤوسهم فإن عباد الله في هذه الدار بمنزلة الأيتام كما دل عليه بعض الروايات، وهم (عليهم السلام) أرحم بهم من الأب الرحيم (ووجهه الذي يؤتى منه) لأنهم واقفون على سواء سبيل الحق ومزال الأقدام فوجب على السالك اقتفاء آثارهم والرجوع إلى أشعة أنوارهم لينتهي سيره إلى الله (وبابه الذي يدل عليه) المراد بالباب باب علمه الذي يدل سبحانه على ذلك الباب بقوله (وأتوا البيوت من أبوابها) أو يدل بذلك الباب عليه سبحانه فإن العلم هو الدليل على الله وعلى الخشية منه والانقياد له كما قال سبحانه (إنما يخشى الله من عباده العلماء) وفيه إشارة إلى قوله (صلى الله عليه وآله) «أنا مدينة العلم وعلى بابها» أو المراد به باب جنته ولفظ الباب على التقديرين مستعار ووجه المشابهة أن من أراد أن يكتسب علما ويدخل الجنة وجب أن يأتيهم أولا كما أن من أراد أن يدخل بيتا وجب أن يأتي بابها أولا.
(وخزانه في سمائه وأرضه) أي جعلنا فيما بين أهل سمائه وأهل أرضه خزان علمه وأسرار غيبه المشار إليها بقوله (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا. إلا من ارتضى من رسول) أو خزان جنته على معنى أن من جاء يوم القيامة بولايتنا دخل الجنة وإلا فلا، أو خزان أمره على الإطلاق ولفظ الخزان على التقادير استعارة ووجه المشابهة تصرفهم بمنع العلم وإعطائه أو بمنع الجنة وإعطائها أو بمنع نزول المنافع من السماء وخروج الكامنات من الأرض والإذن بها مثلا كما أن شأن الخازن
(٢٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 ... » »»
الفهرست