شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٢٢٣
للشيء كذلك (بنا أثمرت الأشجار) أي بوجودنا وبركتنا أو بأمرنا صارت الأشجار مثمرة أما الأول فلأن وجودهم سبب لبقاء نظام العالم فلو لم يكن وجودهم لم يكن عالم ولا نظام ولا أشجار ولا أثمار، وأما الثاني فلأنهم المدبرون في هذا العالم بإذن ربهم (1).

1 - قوله: «فلأنهم المدبرون في هذا العالم بإذن ربهم» يعني لا على جهة التفويض إذ لا مؤثر في الوجود إلا الله تعالى وكلما يرى من تأثير غيره سواء كان روحانيا أو جسمانيا فإنما هو بإذن الرب تعالى; لأن وجود كل موجود معلق بالواجب تعالى فكيف بفعله؟ ومثاله: المرآة ينعكس منها نور الشمس على الجدران لا تنسب الإنارة إلى المرآة وإنما هي للشمس والمرآة واسطة ونسبة إنماء الأشجار وإيناع الثمار وإجراء الأنهار إلى وجود الأئمة (عليهم السلام) في هذا الحديث وغيره ليس غلوا وتفويضا بل يتبرأ الشيعة من الغلو والتفويض كما يتبرأ من النصب. وقد اخترع جهلة أهل الحديث من متأخري العامة مذهبا في التوحيد مبنيا على نفي تأثير شيء في شيء لا بإذن الله ولا بغير إذن الله وهو مذهب مادي محض ودهري صرف، وقال مؤسس طريقتهم: من الشرك: لبس الحلقة والخيط ونحوهما لدفع البلاء وقال: من علق تميمة فقد أشرك وقال: من الشرك: النذر لغير الله والاستعاذة بغير الله، وقال:
في رسول الله نزل (وليس لك من الأمر شيء) وإنه لا يغني شيئا عن أقاربه. وقال: الغلو في الصالحين سبب الكفر، وعدوا من الغلو إكرام قبورهم وعبادة الله تعالى عندها. وقال: من الشرك: الطيرة والفأل والعدوي والتنجيم وحب غير الله، ومن الشرك: إرادة الإنسان بعمله الدنيا وجحد الأسماء والصفات وإسناد النعم وأسبابها إلى غير الله تعالى - إلى غير ذلك مما يدل على سخافة عقل قائله وعدم تدبره إذ لا ينكر هو تأثير النار في الحرارة، والسراج في الإنارة والعدوي في كثير من الأمراض، والبرد في هلاك النبات والحيوان، والدواء في علاج المرضى فإن كان نسبة التأثير بالتسبيب والإعداد إلى جميع ذلك كفرا وشركا لم يبق على التوحيد دليل ولا للموحدين حجة بل ثبت قول الكفار ولم يكن للمؤمنين سبيل إلى ردهم والاحتجاج عليهم، وإن كان هذه الأسباب مؤثرة بإذن الله وأمره كما مثلنا من مثال المرآة ونور الشمس ولم يكن ذلك شركا لم يجز الفرق بين تأثير الشمس في إنماء الأشجار وإيناع الثمار بإرادة الله وبين تأثير أرواح الأئمة (عليهم السلام) بإذن ربهم إلا أن يكون رجل ماديا دهريا يتعقل تأثير القوى الجسمانية كالنور والحرارة والدواء ولا يتعقل تأثير القوى الروحانية كهمة الأولياء وتأثير الأدعية والتمائم فيستبشع الثاني وينسبه إلى الشرك ولا يستبشع الأول ولا يشعر بأنه في الباطن مادي، وهذا التوحيد المخترع متولد من المادية وإلا فأي فرق بين نسبة علاج المرضى إلى الدواء أو إلى التمائم وكلاهما بإذن الله لا محالة لكن الإنسان قد يندفع إلى اتخاذ رأي أو العمل بشيء من غير أن يعلم داعيه النفساني من شهوة أو حب أو بغض أو غير ذلك.
وإن قيل لعل التمسك ببعض التمائم والفأل والتطير من الخرافات التي لم تقم عليها دليل ولذلك أنكرها قلنا: التمسك بالخرافة شيء والشرك شيء آخر وبينهما بون بعيد.
وإن قيل: لعل التوسل بمثل الدواء والغذاء والوسائل المادية لا يوجب الشرك دون التوسل بالأسباب الروحانية، قلنا: نطلب بيان الفرق; لأن الشرك لا يفرق فيه بين أن يجعل جسم شريكا لله تعالى أو موجودا روحانيا بل الأول أفحش فإن كان التوسل شركا كان شراء الخبز واللحم واللباس أيضا شركا لأنه توسل بسبب لغرض حصول الشبع وبقاء السلامة ولا يجوز أن يطلب السلامة إلا من الله تعالى. وقد روي أن مروان بن الحكم طريد رسول الله (صلى الله عليه وآله) رأى أبا أيوب الأنصاري مكبا على القبر الشريف يتبرك بترابه ويقبله فهاج حقده القديم على الرسول وعلى الأنصار ولم يستطع أن يرى تعظيم الرسول (صلى الله عليه وآله) بعد موته وأخذ بقفا أبي أيوب ورفعه وقال: هل تعرف ما تفعل إنما هذا شرك وعبادة لغير الله تعالى، فنظر إليه أبو أيوب وقال: مالك والدخول في هذه الأمور التي نحن أعلم بها منك فبسيوفنا أسلم قومك وكانوا مشركين ونحن علمناكم الحق وعبادة الله تعالى. (ش)
(٢٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 ... » »»
الفهرست