شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٢٣٢
يسبحونه ويقدسونه ويهللونه ويمجدونه، ثم خلق ما شاء كيف شاء من الملائكة وغيرهم، وفوض تعليمهم للمعرفة والتوحيد والعبادة إلى محمد وآله الطاهرين، فهم معلمو الملائكة (1) ومن دونهم في ذلك الوقت وهم أيضا أول القائلين ب‍ (بلى) عند أخذ الميثاق ب‍ (ألست بربكم)، ثم بإقرارهم وتعليمهم أقر من أقر، وهم أيضا أول العارفين وأول العابدين وأول الموحدين بعد ظهورهم في ديجور الإمكان وتعلق أرواحهم المطهرة بأبدانهم المقدسة إذ كان الناس كلهم عند ذلك جهالا سالكين لتيه الضلالة والغواية، ثم بنور هدايتهم وحد الله وعرفه وعبده من أخذت يده العناية الأزلية (ومحمد حجاب الله تبارك وتعالى) أشار إلى أن سلوك سبيل الله تعالى لا يمكن إلا بالتوسل بمحمد (صلى الله عليه وآله) (2) لأنه حجاب الله المرشد إلى كيفية سلوك طريقه الموصل إليه والمبين لمراحله

١ - قوله: «فهم معلمو الملائكة ومن دونهم» وبذلك يتضح جواب أهل الظاهر عن شبهة يبدونها هنا وهي أن أئمتنا (عليهم السلام) كانوا متأخرين في الوجود زمانا عمن قبلهم من الحكماء والموحدين والأنبياء فكيف يمكن حصر تعليم التوحيد والمعارف والعبادة فيهم على ما هو مفاد قوله «بنا عبد الله وبنا عرف الله»؟ وكيف يتصور كونهم علة فاعلية أو غائية على ما هو مفاد الحديث الخامس من هذا الباب؟ ثم المراد من كونهم علة غائية أو فاعلية ليس العلية المطلقة; لأن الممكن ليس له علة مطلقة إلا واجب الوجود بذاته فهو الأول والآخر والمبدأ والغاية، وكل شيء سواه تعالى إنما يكون واسطة أو معدا كالدواء لعلاج المرضى، والشمس لإضاءة الأرض، والعقول للأجسام، وليست وساطتها بمعنى تفويض الامر إليها كما يتوهمه من لا بصيرة له، وكون الإنسان الكامل علة غائية على ما هو مفاد «خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي» وقوله «ما خلقت سماء مبنية ولا أرضا مدحية إلى قوله - إلا لأجلكم ومحبتكم» ليس إلا أنهم في الممكنات غاية لساير الممكنات، وإنا لا نعلم في هذا العالم الأدنى موجودا أشرف من الإنسان، فصح أن يجعل ساير الأشياء مخلوقة لأجله وهو غاية لها إذ الغاية يجب أن يكون أشرف من المقدمات، وإذا كان بعض أفراد الإنسان أشرف من غيرهم صح أن يجعلوا غاية لسايرهم، وإذا رأينا أن بدن الإنسان ينهدم ويفسد ولا يبقى على صورته تحقق لدينا أن بدنه لا يكون غاية بل الغاية الحقيقة النورية المجردة، ولو لم تكن هي غاية لم يكن للعالم الأدنى غاية أصلا، والحكيم تعالى لا يفعل شيئا بلا غاية، فالغاية إنما هي الحقيقة المجردة النورية للإنسان الكامل. (ش) 2 - قوله: «لا يمكن إلا بالتوسل بمحمد (صلى الله عليه وآله)» ولا يجوز في سلوك الطريق إلى الله متابعة غيره، سواء كان غيره نبيا; لنسخ دينه، أو فيلسوفا مكتفيا بعقله; إذ لا يجوز تقليد غير المعصوم، والفلاسفة غير معصومين من الخطاء; لأنك ترى فيهم الاختلاف في المسائل أكثر من اختلاف كل فرقة وملة ففيهم المادي الملحد المنكر للصانع كذي مقراطيس وابيقورس وفيهم المؤمن الموحد التابع لشرائع الأنبياء كنصير الدين الطوسي وبينهما مراتب غير متناهية وأوساط لا تحصى، ولا يؤخذ ممن يكتفى بعقله إلا ما أثبته بالدليل العقلي ولا يعتمد عليه بالتقليد، فلا يؤخذ من الفلاسفة كلام ورأى إلا بدليل وليس هذا متابعة لهم وتوسلا بهم بل متابعة للدليل وتوسل بالعقل ولم نجد شيئا عندهم ثابتا محققا إلا وهو مذكور في الأحاديث مشار إليه أو مصرح به، وليس فائدة تتبع كتب الحكمة وتدبر كلام الفلاسفة فيما يتعلق بالإلهيات إلا تشحيذ الذهن وتنبيهه لفهم أسرار الحديث كفائدة علم الكلام والأصول لهذا الغرض بعينه; إذ لا يمكن فهم خطب أمير المؤمنين في التوحيد وحجج الأئمة خصوصا الرضا (عليه السلام) إلا لمن تعمق في الحكمة والمعقول وأدلة الأصول، كما لا يمكن استنباط الاحكام الفرعية من الأحاديث إلا بالتعمق في أصول الفقه وما يتوقف عليه هذا العلم. (ش)
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»
الفهرست