شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٢١٤
قوله «ومن يطع الله» الجذب إلى اتباع دين الحق وسلوك الصراط المستقيم، وفايدة القضية الثانية أعني قوله «من يعص الله» التنبيه على النظر في عواقب الأمور; إذ لا عذر للمخاطبين في جهالاتهم بعد وضوح الحق (فابخعوا) البخع بالباء الموحدة ثم الخاء المعجمة: المبالغة في الشيء والإقرار به والخضوع له. قال في الفائق في تفسير قوله (صلى الله عليه وآله): أتاكم أهل اليمن أرق قلوبا (1) وألين أفئدة وأبخع طاعة أي أبلغ طاعة من بخع الذبيحة إذا بالغ في ذبحها وهو أن يقطع عظم رقبتها ويبلغ بالذبح البخاع، والبخاع بالباء العرق الذي في الصلب، هذا أصله ثم كثر حتى استعمل في كل مبالغة فقيل: بخعت له نصحي وجهدي وطاعتي وقال ابن الأثير: في الحديث «أتاكم أهل اليمن أرق قلوبا وأبخع طاعة» أي أبلغ وأنصح في الطاعة من غيرهم كأنهم بالغوا في بخع أنفسهم أي قهرها وإذلالها.
وقال الجوهري: بخع نفسه بخعا أي قتلها غما، ومنه قوله تعالى (فلعلك باخع نفسك على آثارهم) وبخع بالحق بخوعا: أقر به وخضع له، وكذلك بخع بالكسر بخوعا وبخاعة (2).
(بما يحق عليكم) أي بما يثبت عليكم ثبوتا لازما أو غير لازم كالعقائد العقلية والأحكام الشرعية والآداب الخلقية.
(من السمع والطاعة) أي من سمعكم قول الله وقول الرسول وقول أولي الأمر وطاعتكم لهذه الأقوال والإذعان به والاتباع له (وإخلاص النصيحة) أي تصفيتها من الغش وهي اسم من النصح وهو الخلوص وكل شيء خلص فقد نصح، وهذه من الكلمات الجامعة إذ يندرج فيها النصيحة لله والنصيحة لكتابه والنصيحة لرسوله والنصيحة للأئمة (عليهم السلام) والنصيحة لعامة المسلمين، والأولى عبارة عن صحة الاعتقاد بوحدانيته وإخلاص النية في عبادته والثانية عبارة عن التصديق بالكتاب والعمل بما فيه والثالثة عبارة عن التصديق برسالة الرسول والانقياد له بما أمر به وما نهى عنه والرابعة عبارة عن إطاعة الأئمة في كل ما يقررون في الشرع وكل ما ينكرون فيه وعدم تجويز رد قولهم ومخالفتهم

1 - قوله: «أتاكم أهل اليمن أرق قلوبا» مدح أهل اليمن كثير في الأحاديث حتى روي عنه (صلى الله عليه وآله): «إني أجد نفس الرحمن من جانب اليمن» وهم أصل الشيعة ومنهم انتشر هذا المذهب في أنحاء العالم وأول من هداهم إلى الإسلام أمير المؤمنين (عليه السلام) بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان غالب أهل الكوفة من قبائل اليمن المهاجرين وكان التشيع فيهم ثم المهاجرون منهم إلى قم الأشعريون أيضا يمانيون، وانتشر هذا المذهب من قم إلى ساير البلاد، ثم إن اليمن كانت محفوظة من عساكر التتار وبقوا على ما كانوا عليه من أصول الإسلام في حكومتهم بخلاف أكثر بلاد المسلمين ثم بعد ذلك لم يؤثر فيهم غلبة الإفرنج وعادات النصارى ورسوم الكفار الذين هم أشد ضررا وأعظم داهية من المغول على الإسلام والمسلمين، وأهل اليمن إلى زماننا هذا باقون على أحكام الإسلام في جميع الأمور رفضوا تمدن الإفرنج وحفظوا مآثر الإسلام حفظهم الله من وساوس الشياطين المتفرنجة وأبقاهم على الطريقة القويمة وهدى ساير المسلمين إلى التمسك بطريقتهم ورفض البدع والضلالات ومفاسد الاخلاق وشرايع الكفار بمحمد وآله. (ش) 2 - وفي بعض النسخ: (فانجعوا) بالنون والجيم أي أفلحوا بما يجب عليهم من الطاعة.
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 ... » »»
الفهرست