قوله «ومن يطع الله» الجذب إلى اتباع دين الحق وسلوك الصراط المستقيم، وفايدة القضية الثانية أعني قوله «من يعص الله» التنبيه على النظر في عواقب الأمور; إذ لا عذر للمخاطبين في جهالاتهم بعد وضوح الحق (فابخعوا) البخع بالباء الموحدة ثم الخاء المعجمة: المبالغة في الشيء والإقرار به والخضوع له. قال في الفائق في تفسير قوله (صلى الله عليه وآله): أتاكم أهل اليمن أرق قلوبا (1) وألين أفئدة وأبخع طاعة أي أبلغ طاعة من بخع الذبيحة إذا بالغ في ذبحها وهو أن يقطع عظم رقبتها ويبلغ بالذبح البخاع، والبخاع بالباء العرق الذي في الصلب، هذا أصله ثم كثر حتى استعمل في كل مبالغة فقيل: بخعت له نصحي وجهدي وطاعتي وقال ابن الأثير: في الحديث «أتاكم أهل اليمن أرق قلوبا وأبخع طاعة» أي أبلغ وأنصح في الطاعة من غيرهم كأنهم بالغوا في بخع أنفسهم أي قهرها وإذلالها.
وقال الجوهري: بخع نفسه بخعا أي قتلها غما، ومنه قوله تعالى (فلعلك باخع نفسك على آثارهم) وبخع بالحق بخوعا: أقر به وخضع له، وكذلك بخع بالكسر بخوعا وبخاعة (2).
(بما يحق عليكم) أي بما يثبت عليكم ثبوتا لازما أو غير لازم كالعقائد العقلية والأحكام الشرعية والآداب الخلقية.
(من السمع والطاعة) أي من سمعكم قول الله وقول الرسول وقول أولي الأمر وطاعتكم لهذه الأقوال والإذعان به والاتباع له (وإخلاص النصيحة) أي تصفيتها من الغش وهي اسم من النصح وهو الخلوص وكل شيء خلص فقد نصح، وهذه من الكلمات الجامعة إذ يندرج فيها النصيحة لله والنصيحة لكتابه والنصيحة لرسوله والنصيحة للأئمة (عليهم السلام) والنصيحة لعامة المسلمين، والأولى عبارة عن صحة الاعتقاد بوحدانيته وإخلاص النية في عبادته والثانية عبارة عن التصديق بالكتاب والعمل بما فيه والثالثة عبارة عن التصديق برسالة الرسول والانقياد له بما أمر به وما نهى عنه والرابعة عبارة عن إطاعة الأئمة في كل ما يقررون في الشرع وكل ما ينكرون فيه وعدم تجويز رد قولهم ومخالفتهم