وعقلي وعلته التي لا يتصور النقصان فيها بوجه، لا جرم كانت مرتبته أعلى المراتب العقلية مطلقا، وله الفوق المطلق في الوجود العاري عن الإضافة إلى شيء دون شيء وعن إمكان أن يكون فوقه ما هو أعلى منه أو في مرتبته ما يساويه، فهو المتفرد بالفوقية المطلقة والعلو المطلق ولا يلحقه غيره فيهما (ولا يقال: محمول ولا أسفل قولا مفردا لا يوصل بشيء) أي لا يوصل ذلك القول بشيء يكون قرينة صارفة له عن المعنى المعروف إلى معنى صحيح له تعالى فقوله: «لا يوصل» صفة مبينة لقوله «قولا مفردا».
(فيفسد اللفظ والمعنى) أما فساد اللفظ فلأن هذا اللفظ اسم نقص فالله بريء عن النقائص كلها لا يمدح به، وأما فساد المعنى فلأن معنى هذا اللفظ المجرد عن القرينة يوجب مفعوليته وتأثره عن الغير وافتقاره إليه وكون الشيء أعلى منه، وكل ذلك فاسد محال في حق الغني العالي على الإطلاق.
فإن قلت: هل يجوز ذلك القول عند القرينة كما يشعر به التقييد المذكور أم لا؟
قلت: لا، لبقاء الفساد اللفظي بحاله ففيه سوء أدب مع عدم ورود الإذن به، وهذا كما قالت طائفة من المبتدعة: هو جسم، وقالت طائفة أخرى: هو صورة، فلما أورد أهل الحق عليهم بأن هذا القول يوجب تماثله بخلقه وقد قال الله تعالى (ليس كمثله شيء) قالوا: جسم لا كسائر الأجسام وصورة لا كسائر الصور، وبهذا القيد يزول التشابه والتماثل بينه وبين خلقه، وهذا كما تقولون: هو شيء لا كسائر الأشياء، وأجاب المانعون بأن لفظ الجسم والصورة يشعر بالتركيب والحدوث، ففيه نقص لفظي لا يليق بجناب الحق بخلاف الشيء فإنه لا يشعر بشيء منهما، وقد ورد الإذن به مطلقا فكيف مقيدا فالقياس قياس مع الفارق.
فإن قلت: إذا لم يجز ذلك القول عند القرينة أيضا فلم قيد (عليه السلام) عدم جوازه بالإفراد وما فائدة هذا القيد؟
قلت: فائدته هي التنبيه على تحقق الفساد فيه من وجهين، والرد على السائل وإبطال مذهبه فإنه ذهب إلى جواز إطلاق المحمول عليه سبحانه مطلقا كما يشعر به صريح كلامه لا الإشارة إلى جوازه عند القرينة هذا، ويحتمل أن يكون المراد أنه لا يقال محمول ولا أسفل قولا واحدا لا خلاف فيه عند أهل الإيمان وحينئذ قوله «لا يوصل بشيء» استيناف كأنه قيل: هل يوصل ذلك اللفظ بشيء يكون قرينة لمعنى صحيح؟ فقال: لا يوصل بشيء يعني لا يجوز إطلاقه عليه سبحانه مع القرينة أيضا فحينئذ لا يرد السؤال المذكور إلا أن التفريع ينافي هذا الاحتمال نظر إلى الظاهر وإن أمكن دفعه بأن التفريع متعلق بالأول ويفهم منه عدم صحة الثاني أيضا لفساد اللفظ.
(قال أبو قرة) إنكارا لما ذكره (عليه السلام) تمسكا بالرواية المزخرفة عندهم (فتكذب) استفهام على سبيل