شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٠٢
ليكون من الموقنين.
(وكيف يحمل حملة العرش الله) برفع «الحملة» على الفاعلية ونصب «الله» على المفعولية؟ وكيف للإنكار، وعلل الإنكار بقوله: (وبحياته حييت قلوبهم) الواو للحال (وبنوره) أي بهدايته وتوفيقه (اهتدوا إلى معرفته) توضيح ذلك أنه إذا كانت حياتهم ومعرفتهم بالله سبحانه كان الله في الأزل بلا حامل بالضرورة لعدم وجود الحامل فيه فيكون في الأبد أيضا كذلك; لأن كل ما كان له أزلا يكون له أبدا، وكلما لم يكن له أزلا لا يكون له أبدا لاستحالة التغير عليه (1) وفي نسخة السيد الداماد:

١ - قوله: «لاستحالة التغير عليه» وجملة ما ينبغي أن يقال في هذا الحديث الشريف ملخصا: أن جاثليق لم يكن منظوره السؤال عن عدد الثمانية بل عن أصل الحمل، وغرضه الاعتراض على اعتقاد المسلمين بظنه من تجسيم الواجب وحلوله المكان واحتياجه إلى الحملة، ولذلك أجاب أمير المؤمنين (عليه السلام) بتوضيح المقصود من العرش ومعنى الحمل، فقال: المقصود من العرش العلم ويعبر عن العلم بالنور، ووجهه واضح، والمقصود من حمل العرش على الحملة إعطاء العلم للعلماء، والعلم أربعة أقسام بالتقسيم الجملي أحمر أخضر وأصفر وأبيض، والألوان مظاهر النور، إذ ليس اللون في الحقيقة إلا كيفية حاصلة من الأشعة على ما تبين في محله، والعلماء الحاملون إما من الملائكة المقربين وإما من علماء البشر المقتبسين علمهم من الملائكة. ويشمل كلامه (عليه السلام) بإطلاقه جميعهم، والعلماء وإن كانوا كثيرين فإنهم لا يخرجون عن أربعة أقسام كما قال: ليس يخرج عن هذه الأربعة شيء; لأن علماء البشر وأمثالهم تبع لما في عالم الملكوت، وعالم الملكوت عالم الغيب لا يراه إلا الأصفياء وأراه خليله (عليه السلام)، وما في ذلك العالم أربعة لا غير، ويدل على أن علماء البشر مقصودون بالكلام قوله (عليه السلام) فبعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين إلى آخره، حتى أن الجاهل المعادي أيضا أدرك بسره نورا فعاداه، والمنتحلون للأديان المشتبهة والباطلة أيضا أدركوا نورا فغلطوا وأخطأوا في تحقيقه لاختلاط الأوهام، نظير الشهوة التي جعلت في الإنسان لغاية صحيحة فانحرفت وصرفت إلى ما لا يجوز، وأما توجيه الألوان فقد ذكر فيا مر ولم يجب (عليه السلام) عن سر الثمانية في القيامة لعدم كون سؤال السائل متوجها إليه، وسيجئ إن شاء الله وجه له.
وبما ذكره أمير المؤمنين (عليه السلام) يظهر بطلان تأويل بعض المعتزلة في العرش وحملته وجعله بمنزلة الكنايات حيث لا يكون كل كلمة من الكناية تعبيرا حقيقيا أو مجازيا عن شيء مثل كثير الرماد وطويل نجاد السيف، وكذلك قالوا:
ليس العرش تعبيرا عن شيء ولا الحملة تعبيرا عن أشخاص يحملون العرش بل الجملة تعبير يعنى به العظمة، وقد ذكر صدر المتألهين هنا كلاما جديرا بأن ننقله وإن طال بنا الكلام. قال - رحمه الله - ثم لا يخفى على أولي النهى ومن له تفقه في الغرض المقصود من الإرسال والإنزال أن مسلك الظاهريين الراكنين إلى إبقاء صور ألفاظ الكتاب وأوايل مفهوماتها أشبه من طريق المتأولين في صون عقائد المسلمين المكلفين بالطاعة والانقياد البدني لنيل السلامة والنجاة في النشأتين; وذلك لأن ما فهمه الظاهريون من أوائل المفهومات هي قوالب الحقائق التي هي مراد الله ومراد رسوله، وليس ما حصل للراسخين في العلم من أسرار القرآن وأغواره مناقضا لظاهر التفسير بل هو استكمال له ووصول إلى لبابه من قشره، وإلى روحه من قالبه كما ستعلم من حمل الكرسي على العلم كما حمله أمير المؤمنين (عليه السلام)، فهذا هو المراد بعلم التأويل لا ما يناقض الظاهر كما ارتكبه القفال والزمخشري وغيرهما من قولهم لا كرسي ولا عرش ولا قعود ولا استواء، بل المراد تصوير وتخيل للعظمة والكبرياء إلى آخر ما قال.
فإن قيل: إن كان الإيمان بالظاهر كافيا وهو قالب الحقيقة فما الفائدة في التأويل؟ قلنا فائدة التأويل دفع سورة استبعاد الناس لكثير مما ورد في الدين ومنع إنكار جماعة يرون بعض الظواهر مخالفا للواقع، لقد تأول أئمتنا (عليهم السلام) وجه الله وعين الله ويد الله والعرش والحملة لئلا يوجب تجسيم الواجب تنفير العقلاء عن الدين، ولو لم يكن التأويل مجازا لم بيق في العالم عاقل متدين قط وكفر العقلاء يوجب تزلزل العوام كما أن إيمانهم يقوي إيمانهم، فكم قد ضر بالدين من سد باب التأويل كما ضر به من وسع في فتح بابه، ولا فرق بين الحشوية المجسمة وأهل الظاهر والباطنية الملاحدة أهل التأويل في الإضرار بالدين. (ش)
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»
الفهرست