شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٩٩
عما يصفه الظالمون به من الصفات التي لا تليق بعز جنابه، وتنبيه على أنه وإن بالغ الواصفون في وصفه بما يليق به فهو أعلى من ذلك علوا كبيرا.
(قال له: فأخبرني عن الله أين هو) لما اعتقد الجاثليق أن لله تعالى مكانا وأن مكانه هو العرش وأجاب (عليه السلام) بأن العرش ليس مكانا له ولا حاملا إياه، سأل ثانيا بأن العرش إذا لم يكن مكانا له فأين هو من المواضع والأمكنة (فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) هو هاهنا وهاهنا وفوق وتحت ومحيط بنا ومعنا) إحاطة مغايرة لإحاطة نحو الهواء بالجسم والجسمانيات ومعية خارجة عن المعية التي بين الممكنات، بل إحاطة بالصنع والقدرة والتقدير، ومعية بالعلم والحفظ والتدبير كما قال: (وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير) فقد أشار (عليه السلام) إلى أنه لا يصح السؤال عنه بأين هو، لأن السؤال عن شيء بأين هو سؤال عن مكانه باعتبار حصوله فيه واختصاصه به وهو في حقه - تعالى شأنه - محال لأنه في جميع الأمكنة لا باعتبار الحصول فيها والافتقار إليها; لأن الحال في المكان لا يجوز أن يكون (1) في آن واحد في جميع الأمكنة بالضرورة بل بالاعتبار العلم والإحاطة، ومن هاهنا ظهر أنه لا مكان له فلا يصح أن يقال أين هو (وهو قوله (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا وهو معهم) أي ولا أقل من ذلك المذكور كالواحد والاثنين ولا أكثر من ذلك كالأربعة والستة وما فوقها إلا هو معهم بالعلم والإحاطة (يعلم ما يسرون وما يعلنون) (أينما كانوا) سواء كانوا في مقام طاعة الله تعالى أو في مقام معصيته، وسواء كانوا في أمكنة متقاربة أو في أمكنة متباعدة، لأن قربه بالأشياء ليس قربا مكانيا، وعلمه بها ليس لقرب مكاني حتى يختلف باختلاف الأمكنة في القرب والبعد، ومن البين أن من كان كذلك يستحيل أن يكون في مكان بمعنى الاستقرار فيه وإلا لاختلفت نسبة الأمكنة وغيرها إليه (فالكرسي محيط بالسماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى) لما أشار إلى أن العرش هو العلم بالموجودات أشار هنا بالتفريع للتنبيه على المماثلة إلى أن الكرسي أيضا بمعناه وهو العلم بها دفعا لتوهم السائل فيه أيضا، وقد سئل الصادق (عليه السلام) عن قوله عز وجل (وسع كرسيه السماوات والأرض) قال:

1 - قوله: «لأن الحال في المكان لا يجوز أن يكون اه» إن تأولنا إحاطته بكل شيء بالعلم لم يناف ذلك تجسمه وحلوله في مكان واحد إذ يجوز أن يكون شئ حالا في مكان خاص ويعلم جميع الأشياء ويحيط بها إحاطة علمية فلا يصح قوله ظهر أنه لا مكان له، ألا ترى أن الإنسان يعلم البلاد البعيدة ويحيط علمه بالأفلاك والكواكب مع كونه في نقطة من الأرض، فما ذكره أولا من قوله «بل إحاطة بالصنع والقدرة والتقدير ومعية بالحفظ» أقرب إلى الواقع والمحيط الجسماني قاهر للمحاط ومانع له عن كل شيء يريد منعه بخلاف المحاط فإنه لا يقدر على المحيط، لذا استعير اللفظان للواجب والممكن. (ش)
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»
الفهرست