علمه. (1) (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى) من السر وهو حديث النفس، وفي اقتباس هذه الآية إشارة إلى أن المراد بالكرسي هو العلم المحيط بجميع الأشياء وأن العلم بجليات الأمور وخفياتها على السواء (وذلك قوله تعالى (وسع كرسيه السماوات والأرض)) يريد أن الكرسي فيه بمعنى العلم ودل عليه أيضا الرواية المذكورة وما قبل هذه الآية ولذلك ذهب إليه بعض المفسرين، وينبغي أن يعلم أن كثيرا ما يطلق الكرسي على الجسم المحيط بالسماوات السبع وما بينهما ولعله الفلك المشهور بفلك البروج، ويطلق العرش على الجسم المحيط بالكرسي وما بينه ولعله الفلك الأعظم، فالعرش بهذا المعنى أعظم من الكرسي كما دل عليه ما رواه الشيخ الطبرسي في كتاب الاحتجاج قال: «مما سأل الزنديق أبا عبد الله (عليه السلام) أن قال: فالكرسي أكبر أم العرش قال (عليه السلام): كل شيء خلقه الله في جوف الكرسي خلا عرشه فإنه أعظم من أن يحيط به الكرسي» (2).
وما رواه المصنف (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل قال: «والكرسي عن العرش كحلقة في فلاة قي وتلا هذه الآية (الرحمن على العرش استوى) وما روي من طريق العامة عنه (صلى الله عليه وآله) قال: «ما السماوات السبع والأرضون السبع مع الكرسي إلا كحلقة في فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة» (4) ولذلك قيل الكرسي جسم بين يدي العرش ومن أجل ذلك سمي كرسيا وهو في الأصل ما يقعد عليه ولا يفضل عن مقعد القاعد، إذا عرفت هذا فقد عرفت أن لكل واحد من العرش والكرسي معنيين أحدهما العلم المحيط، وثانيهما الجسم المحيط، وقد صرح بذلك الصدوق - رحمه الله - في كتاب الاعتقادات أيضا.
(ولا يؤوده) أي لا يثقله، يقال: آدني الحمل يؤودني أي أثقلني وأنا مؤود مثال مقول (حفظهما) أي حفظ السماوات والأرض بإضافة المصدر إلى المفعول (وهو العلي العظيم) أي هو المتعالي عن أن يؤوده حفظ شيء أو يحيط به وصف واصف ومعرفة عارف أو يشبه شيئا أو يكون له شريك ونظير، والعظيم المطلق الذي لا أعظم منه ولا يساويه أحد، وتعريف الخبر للحصر (فالذين يحملون العرش هم العلماء الذين حملهم الله تعالى علمه) لما أشار سابقا إلى أن العرش