المسكنة والنقصان، وقد وردت الآيات المتكاثرة والروايات المتواترة من طريقة الخاصة والعامة في الترغيب فيه والحث عليه حتى صار شرعه من ضروريات الدين وهو من شعار الصالحين والصديقين وآداب الأنبياء والمرسلين فإن حكاية آدم ونوح وذي النون وموسى وأيوب وداود وسليمان وعيسى وغيرهم (عليهم السلام) ودعاء خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) وسيد الوصيين وأولاده الطاهرين (عليهم السلام) وكمال تضرعهم وخشوعهم في القرآن العظيم مذكورة وفي كتب السير مسطورة وفي دفاتر المتقدمين والمتأخرين مزبورة وفي ألسنة الخواص والعوام مشهورة بحيث لا مساغ للرد والانكار ولا مجال للعناد والاستنكار، وما خالج بعض الأذهان من أن المطلوب بالدعاء إما أن يكون معلوم الوقوع لله تعالى أو معلوم اللاوقوع وعلى التقديرين لا فائدة لأن الأول واجب والثاني ممتنع، وبعبارة أخرى إما أن يكون وقوعه مصلحة للداعي أو لا يكون فعلى الأول يقع وإن لم يطلب لأن الله يفعل ما هو صالح العباد قطعا، وعلى الثاني لا يقع وإن طلب فطلبه على التقديرين عبث، وأيضا أعظم مقامات العارفين الرضا بالقضاء والدعاء ينافي ذلك، فالواجب عن الأولين أن كل كائن وفاسد موقوف في كونه وفساده على شرائط وأسباب كما علم من موضعه ودل عليه أيضا ما روي من أن الله تعالى يأبى إلا أن يجري الأشياء بأسبابها (1).
إذا كان كذلك فلعل الدعاء من شرائط وجود المطلوب ومصالحه كما أن شرب الدواء من شرائط صحة المريض وأسبابه فالمطلوب مع الدعاء معلوم الوقوع ومصلحة وبدونه معلوم اللاوقوع وغير مصلحة، وبالجملة هذا العالم عالم الأسباب والأشياء تجري بأسبابها والعبد لعدم كونه عالما بكيفية علم الله تعالى بالأشياء وقضائه إياها يكون دائما بين الخوف والرجاء ويجوز كون المعلوم والمقتضى مقيدا بالدعاء ويتأكد ذلك بقوله تعالى: (ادعوني أستجب لكم) فذلك لا يترك الدعاء في البأساء والضراء، على أن لنا أن نقول الدعاء لا يخلو من فائدة عظيمة ومنفعة جليلة لأنه إن كان من شرائط وجود المطالب وأسبابه ففائدته ظاهرة، وإن لم يكن كذلك سواء كان المطلوب مصلحة في نفسه من غير شرطية الدعاء وسببيته أو لم يكن مصلحة أصلا كان الدعاء عبادة مستقلة بل هو من أفضل العبادات كما دل عليه الروايات المعتبرة فيورث ثوابا جزيلا وأجرا جميلا في الآخرة، والجواب عن الأخير أن العبد إذا دعا كان دعاؤه من جملة القضاء فكيف يكون منافيا له. والحاصل أن المنافي للقضاء ما لا يجامعه والقضاء إذا تعلق بشئ مقيد بشرط أو سبب لا يكون ذلك السبب والشرط منافيين له، وما روي «أن الدعاء يرد القضاء وقد أبرم إبراما» (2) فمعناه - والله أعلم - أن