شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٨١
الدعاء يوجب اختيار أحد الفردين من القضاء التخييري مثلا إذا تعلق القضاء بموت هذا المريض بشرط عدم طلب صحته وببقائه بشرط طلبها كان هذا القضاء متعلقا بأمرين متضادين مشروطين بشرطين متقابلين واختيار أحدهما موكول إلى العبد فأيهما اختار فقد رضي بالقضاء، وإذا عرفت أن الدعاء من أشرف مقامات السالكين عرفت أن ضده وهو الاستنكاف يعني الأنفة والكراهة والترفع والعدول عن الدعاء الموجب للبعد عن الحق من أخس صفات الجاهلين والهالكين قال الله تعالى (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) والعبادة هي الدعاء.
(والنشاط وضده الكسل) النشاط في العبادة من كمال المراتب الانسانية وهو ينبعث من عدم النقص اللاحق للنفس بسبب كلال بعض القوى الطبيعية عن أفعالها وعدم وقوف الأعضاء وفتورها عن أعمالها بسبب تحلل الروح وضعفه ورجوع إلى الاستراحة ولا شبهة في أن ذلك من صفات العاقل الذي فك عنه بالهمة الصادقة قيود الأغلال البشرية ودفع عنه بالنية الخالصة أو زار الأثقال البدنية، وأنار بنور عقله أعضاءه الظاهرة حتى يرى شخصه في هذا العالم وروحه لخفته ونورانيته في عالم الروحانيين، يطير مع الملائكة المقربين، فله من النشاط في العبادة ما لا يدخله سامة من جد ودؤوب، ولا إعياء من كد ولغوب، ولا نقصان من تطرق قصور، ولا استحسار من طريان فتور كما قال سبحانه في وصف الملائكة (وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار ولا يفترون) والكسل يعني التثاقل في العبادة من صفات الجاهل والمحبوس في سجن الطبيعة البشرية والمغلول بأغلال لواحق القوة الشهوية والمصفود بصفاد عوارض القوى البدنية فهو ثقيل لا يحركه ريح النشاط عن مركزه إلى الدرجة العليا، ولا شوق العبادة عن موضعه إلى المرتبة القصوى، فيرضى - وهو كسلان - بالدون من الحياة الدنيا.
(والفرح وضده الحزن) الفرح السرور يقال: فرح به أي سر، وأفرحه وفرحه تفريحا إذا سره، والفرح أيضا البطر والأسر وهذا ليس بمراد هنا لأنه من صفات الجاهل لقوله تعالى (إن الله لا يحب الفرحين) والحزن خلاف السرور يقال حزن الرجل بالكسر فهو حزن وحزين وأحزنه غيره وحزنه، وهذه الفقرة تحمل معنيين الأول أن يكون الفرح كناية عن البشاشة وطلاقة الوجه للاخوان، والحزن كناية عن الكلوح والعبوس، والثاني - وهو الأظهر - أن العاقل لكونه عارفا بالمعارف الالهية وعالما بالحكم الربانية، ومستشرقا لأنوار الحق تابعا لهداه ومقبلا على عبادة ربه معرضا عما سواه، مسرور مبتهج فرح أبدا في الدنيا والآخرة بما آتاه الله من الفضيلتين العلمية والعملية إذ لا لذه أعظم منهما ولو نظر إلى ما يوجب الشرور في دار الغرور والتفت التفاتا ما إلى خسايس هذه الأمور بسبب شيطان قاده
(٢٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 ... » »»
الفهرست