شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٨٥
الآيات والروايات أكثر من أن تحصى (ولا تجتمع هذه الخصال كلها من أجاد العقل) التي بها يقاتل الجهل وجنوده في ملك الأبدان وساحة القلوب وهذه الخصال من حيث أن بها يتحقق التناصل والتسابق إلى الخيرات تسمى خصالا; ومن حيث عروضها تسمى صفات، ومن حيث عدم رسوخها بعد تسمى أحوالا، ومن حيث رسوخها بالتمرن والتدرب تسمى أخلاقا وملكات ومن حيث إطاعتها للعقل وعدم خروجها عن حكمه تسمى خوادم. ومن حيث كونها محفوظة بحفظ العقل وحراسته عن الآفات تسمى رعايا; وما ورد في بعض الأخبار من الأمر بمراعاة الراعي لرعيته يندرج فيها هذا أيضا ومن حيث أنها أعوان للعقل في محاربته للجهل تسمى أجنادا (إلا في نبي أو وصي نبي أو مؤمن قد امتحن الله قلبه للايمان) أي اختبره بالشدائد والمحن والرياضات والفتن لتحقق الايمان (1) له أو ليتحقق له الايمان الكامل أو صقله وجلاه من كدر الأرجاس وطهره ونقاه من دنس الأخباث من محنت البئر محنا إذا أخرجت ترابها وطينها (وأما ساير ذلك) المذكور (من موالينا) جمع الموالي وهو يطلق على المعتق بالكسر والفتح وعلى ابن العم والعصبة كلها ومنه قوله تعالى (وإني خفت المولى) وعلى الرب والمالك ومنه قوله تعالى (ثم ردوا إلى الله موليهم الحق) وقوله (عليه السلام) «أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها» على الناصر والمحب ومنه قول تعالى (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا) والمراد به هنا الأخيران (فإن أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود) وذلك ظاهر فإن شيعة أهل البيت (عليهم السلام) هم الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ففيهم بعض الخصال المذكورة من جنود العقل قطعا (2) وبحسب ما وجد منها فيهم يتنور قلوبهم ويصفو أذهانهم

١ - يقول أهل العصر ممن له استهتار بأصحاب الطبايع إن عبادة رب لا يرى ينافي الأمر بمتابعة العقل وتعظيم شأنه وهكذا كلام شيطاني نقل من الملاحدة وأصحاب الدهر وأجاب بعضهم بأن الادراك بالوجدان كالادراك بالعيان. والاعتراض ساقط من أصله إذ الانسان العاقل إذا قامت الأدلة على وجود واجب الوجود عبده وإن لم يره ولم يجده ولم يعرف حقيقته وأما أن كل موجود محسوس فمن أغلاط الواهمة سيأتي إبطاله في مباحث التوحيد إن شاء الله. (ش) ٢ - واعلم أن كون العقل حجة ودليلا لا ينافي ما ورد في ذم القياس من أن دين الله لا يصاب بالعقول وليس شئ أبعد من عقول الرجال من أحكام الله تعالى لأن العقل حجة فيما أفاد اليقين والنهى إنما هو عن الظن إذ لا يستفاد من القياس أكثر من الظن والاحكام الشرعية الفرعية مما لا طريق للعقل إليه غالبا كوجوب صوم شهر رمضان وحرمة صوم العيد وقد يكون للعقل إليه طريق فيكون حجة كحرمة القتل والسرقة وغصب أموال الناس وقال بعض من لا خبرة له إن العقل لا يحتج به في الأصول والمقررات الأولية ويحتج به في التجزية والتحليل وتطبيق الاحكام على مقتضيات الأزمان والحق عدم الفرق بينهما فما حصل من العقل اليقين فهو حجة في الأصول الأولية وغيرها وما لم يحصل لم يكن حجة مطلقا والتجزية والتحليل والتطبيق ألفاظ مبهمة لا محصل لها وإن كان للتجزية والتحليل معنى معقول فهو القياس بعينه وتطبيق الاحكام على مقتضى الأزمان غلط لأن الاحكام الإلهية لا تغيير بتغير الأزمان والشرع المحمدي (صلى الله عليه وآله) ناسخ لجميع الشرايع وحلاله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة والله ورسوله أعلم بمقتضى كل زمان ومصالحها حيث حكما ببقاء هذا الدين إلى الأبد. ثم إنه مثل مثالا لتغيير أحكام الإسلام بمقتضى الزمان وهو أن عبد الملك بن مروان أراد هدم دار في جوار المسجد الحرام وجعلها فيه فلم يرض صاحب الدار بكل قيمة وتحير عبد الملك ولم يدر ما يفعل لأن غصب أموال الناس حرام في الشريعة ولا يجوز بناء المسجد والصلاة في المكان المغصوب فدلوه على زين العابدين (عليه السلام) فأفتاه بهدم الدار وعدم استحقاق صاحبها القيامة لأن بناء المسجد كان سابقا على بناء الدور. وهذا غير صحيح وعلى فرض صحته أجنبي عن المقام لأن الكلام في أن غير المعصوم أمثالنا لا يجوز لنا تغيير حكم الله تعالى الذي ورد من النبي والأئمة المعصومين، وأما الأئمة لنفسهم فقولهم حجة مأخوذ من الله تعالى بالوحي والالهام فحكمهم حكم الله تعالى وهو حكم الشرع بعينه وهذا مثل ما حكموا بقطع يد السارق مع حرمة قطع اليد وبيع أموال المديون قهرا عليه لأداء حق الديان مع عدم جواز التصرف في مال أحد إلا بإذنه ولا يلزم من جواز التخصيص والتقييد بل النسخ من الله تعالى في أحكامه أن يجوز لنا أيضا ولعل زين العابدين (عليه السلام) علم بإخبار غيبي إلهي أن تلك الدار كانت غصبا من المسجد وقد روي في الكافي والتهذيب ونقل في الوسائل عنهما في أبواب مكان المصلي ما يؤيده عن أبي عبد الله (عليه السلام) حيث سئل عما زيد في المسجد الحرام قال إنهم لم يبلغوا بعد مسجد إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) وقال : إن إبراهيم وإسماعيل حدا المسجد ما بين الصفا والمروة وفي رواية أخرى بين الحزورة والمسعى. ثم إن ما نقله عن زين العابدين (عليه السلام) نقلوه عن الخليفة الثاني ولا نعرف معنى كلامه ولا حجة في قوله ولم يحكم أحد من أئمة المسلمين إن من سبق إلى عمارة أرض له حق فيما يجاوره كلما احتاج إليه بحيث يجوز له هدم بناء من لحقه في العمارة. وروي عن عبد الصمد بن سعد وهو مجهول لا يعرف ونكرة لا تتعرف عن أبي جعفر المنصور وأبي عبد الله (عليه السلام) نظير ما نقل هذا القائل عن عبد الملك وزين العابدين (عليه السلام) وكذا عن رجل آخر مرسلا عن المهدي ولا حجة في هذه أصلا وأما عبد الملك بن مروان فلم يزد في المسجد الحرام شيئا على ما صرح به المؤرخون كالطبري والكامل والمعتنون بتاريخ مكة والكعبة كالازرقي والفاكهي والفاسي في شفاء الغرام وصاحب كتاب الاعلام بإعلام بيت الله الحرام ولا ريب أن جميع حوادث مكة المشرفة مضبوطة حتى إنهم ذكروا عدد السيول التي جرت والسنين التي وقعت فيها والقحط والغلا في كل سنة حدثت فضلا عن ولاتها وعمارة المسجد وغير ذلك وأصل الحكاية فرية بلا مرية. نظير ما ادعاه من ترويج المتوكل مذهب الأشعري وكان متأخرا عنه بمائة سنة (ش).
(٢٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 ... » »»
الفهرست