شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٨٢
إليها أو ميل نفس حرضه عليها أخذت بضبعيه الأنوار العقلية (1) وتوقظه من رقدة الغفلة في المراقد الطبيعية، وحذيته العناية الالهية من ورطة الهلكة الأبدية وأيدته على إبليس وجنوده فيجتهد في مقاومته ويتخلص من مصائده ويترصد لدفع حيله ويثبت في رفع مكائده، فيحصل بذلك ابتهاج وسرور أيضا لغلبته على عدوه، وأما الجاهل الفاقد لهاتين الفضيلتين والمقهور في أسر ذلك العدو فهو حزين في الدارين إذ لا ألم أعظم من ذلك في الدنيا والآخرة أما في الآخرة فظاهر لأن الآلام الأخروية التي توجب الهم والغم والحزن عند مشاهدة السلاسل والأغلال ومعاينة الشدايد والأهوال، ظاهرة غير محتاجة إلى البيان. وأما في الدنيا فلأن الاعراض عنه سبحانه والاشتغال بما سواه كما هو وصف الجاهل ألم نفساني ومرض روحاني يوجب هما وغما وحزنا في نفس الأمر ولا يقدح فيه غفلته وتوهمه أن ذلك أنفع له كما أن السم [ألم] مهلك وإن توهم شاربه أنه أنفع له على أنه قد يصدق على مقتضى عقله الفطري بأن الأولى به والأنفع له هو متاع الآخرة سيما عند معاينة الموت فيحصل له ألم شديد وحزن طويل ولكن لا ينفعه ذلك ما بقي على حاله أن الخائن المعذب بسبب الخيانة يصدق بأنه كان الأولى به ترك الخيانة ويحزن ويتأسف ولا ينفعه ذلك.
(والالفة وضدها الفرقة) الألفة توافق الآراء والعقائد في تدبير المعاش والمعاد وهي فضيلة مندرجة تحت العدالة التي هي الاستقامة في القوى الفكرية والغضبية والشهوية والمتوقفة على كثير من الفضائل النفسانية مثل التحمل والتواضع والرقة والحياء والرفق والصبر والوقار والورع والعفو والمروءة والسماحة والمسامحة والصداقة والوفاء والشفقة والتودد إلى غير ذلك من الأمور المعلومة لمن تأمل في فضائل النفس، وكونها من صفات العاقل ظاهر لأن هذه الأمور المذكورة لا يتصف بها إلا عاقل راض نفسه في ميدان المجاهدة، ولأنه يعلم بشروق عقله أنه يحتاج في غذائه ولباسه ومسكنه ودفع أعدائه وتحصيل أمر الآخرة وترويج الشريعة إلى التناصر والتعاون والتعاضد وكل ذلك متوقف على الالفة، والفرقة من أخس صفات الجاهل لاتصافه برذايل نفسانية مؤدية إليها أو لأنه لظلمة قلبه لا يراعي عواقب الأمور ومدى نظره إنما هو جلب منفعة حاضرة ودفع كل ما هو عائق عنها ولو بسفك الدماء كما هو المشاهد من أبناء الزمان ولا ريب في أن ذلك موجب للمعاندة والمفارقة ويحتمل أن يراد بالألفة الألفة بأهل البيت (عليهم السلام)، وبالفرقة التباعد عنهم، وقيل: الوجه في كون الالفة من عالم الوحدة والجمعية، والجهل صفة النفوس المتعلقة بالأجسام وصورها التي وجودها عين قبول الانقسام والافتراق ووحدتها عين كثرة ووصلتها عين انفصال ومباينة فكل واحد

1 - الأنوار العقلية هم الملائكة الموكلون بتسديد عباد الله وهدايتهم إلى التقوى والاخذ بالضبعين كناية عن هذا التسديد والتأييد والضبع تحت العضد (ش).
(٢٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 ... » »»
الفهرست