شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٨٤
ووعيده في الحشر والنشر والثواب والعقاب وراعوا بصدق الهمة في أحوال الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل والمستحقين وقصدوا بخلوص النية رفع الحوائج عنهم لا يريدون منهم جزاء ولا شكورا، وقد دل العقل والنقل على شرافة تلك الفضيلة وعلو منزلتها، أما العقل فإن عباد الله عياله ومن قام لقضاء حوائج عيال أحد في حال حضوره وغيبته ووطن نفسه على رعاية حقوقهم ونظر بعين التلطف والشفقة إليهم كان عند صاحب العيال مكرما معززا محبوبا سيما إذا كان كريما قادرا على جميع أنحاء الإكرام والله سبحانه لم يجعل أحدا فقيرا لأجل الهوان ولا غنيا لأجل استحقاقه بالفضل والإحسان بل إنما فعل ذلك لأجل المصلحة والامتحان فمن نظر إلى الفقراء والمحتاجين بعين الحقارة وخطر بباله أنهم لا يستحقون الكرامة من الله سبحانه وإلا لأعطاهم ورفع حاجتهم فهو جاهل بالمصالح الإلهية وكافر بالحكم الربانية ويتوجه إليه الذم في قوله تعالى: (وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين) وأما النقل فلقوله تعالى (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا * إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا * فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا وجزاهم بما صبرا جنة وحريرا) وقول أبي الحسن (عليه السلام) «السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس والسخاء شجرة في الجنة من تعلق بغصن من أغصانها دخل الجنة» (1) إلى غير ذلك من الآيات الكريمة والروايات الصحيحة وهي أكثر من أن تحصى، والبخل وعدم بذل المال سيما فضله في وجوه الفقراء والأقرباء من صفات الجاهل ومبدؤه حب الدنيا والرغبة عن الآخرة وخوف الفقر وسوء الظن بالله وبمواعيده الصادقة وبعده عن التوكل والزهد والشفقة والرقة والرحمة والتعطف لغلظة طبعه ورداءة نفسه وسوء خلقه وشرارة ذاته، فيبعثه ذلك على استمساك المال عن نفسه فضلا عن غيره فلذا قال سيد الوصيين (عليه السلام): «عجبت للبخيل الذي يستعجل الفقر الذي منه هرب ويفوته الغنى الذي إياه طلب فيعيش في الدنيا عيش الفقراء ويحاسب في الآخرة حسب الأغنياء» (2) وسبب التعجب أنه اختار البخل خوفا من الفقر وضنك العيش يوما ما مع أنه يدخل في الفقر وضنك العيش باعتبار أنه لا ينفق على نفسه ولا على عياله ولا على غيره وبالجملة البخل عار في نفسه جامع لمساوي العيوب وهو زمام يقاد به إلى كل سوء وكفاك شاهدا قوله تعالى في قصة قارون وأمثاله وقوله تعالى (ومن يبخل فانما يبخل عن نفسه) وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) «إذا لم يكن لله في عبد حاجة ابتلاه بالبخل» (3) وأمثال ذلك من

1 - الكافي كتاب الزكاة باب معرفة الجود والسخاء تحت رقم 9.
2 - النهج أبواب الحكم تحت رقم 126.
3 - الكافي كتاب الزكاة باب البخل والشح تحت رقم 3.
(٢٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 ... » »»
الفهرست