شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٧٨
وعن نيل عناية الحق ومقاماتها فيظن أن غاية خلق الإنسان هي وصوله إلى هذه اللذات الحاضرة والمنافع الداثرة فيستمر عليها ويستبشر بها، وهو من الغافلين أو يظن بالآخرة ظنا ضعيفا يستعد به لقبول ما يتلو عليه الشياطين من تسويف التوبة غدا بعد غد إلى أن يموت وهو من الخاسرين، ثم الإصرار بالذنب أعم من فعله على الاستمرار وفعله مرة مع عدم عزمه بالتوبة والاستغفار وما روي عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله الله عز وجل (ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) قال «الإصرار هو أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله ولا يحدث نفسه بتوبة فذلك الاصرار» (1) يحتمل الأمرين والظاهر منه هو الثاني ومن فسر الاصرار بتكرار ذنب واحد أو بإيجاد حقيقة الذنب في ضمن أنواع مختلفة من الذنوب بحيث يشعر بقلة المبالاة فقد غفل عن تحقق معنى الاصرار في ذنب واحد مع عدم التوبة.
(والاستغفار وضده الاغترار) الاستغفار من الغفر وهو الستر، والاغترار من الغرة بالكسر وهي الغفلة والجرأة، واعلم أن والي البدن كثيرا ما يطغى في الإمارة ويخون في الولاية ويعصي السلطان الأعظم في إرادته فيستعمل الجوارح الظاهرة والباطنة كلها أو بعضها في غير طاعته ثم إنه قد يستشعر بتقصيره وعصيانه وخيانته وطغيانه فيخاف أن يعاقب في الدنيا والدين وينكشف مساويه عند المقربين فيقبل بالطوع والاختيار ويتمسك بذيل الإقالة والاستغفار طالبا لغفران الذنوب وسترها على الكرام لئلا يفتضح بها عندهم يوم القيامة، ولمحوها باللطف العظيم والكرم العميم لئلا يعذب بسلاسل وأغلال في الجحيم، ويمحوها من لوح نفسه وصفحة الجنان لئلا يخجل بتذكرها بعد دخول الجنة وروضة الجنان ومستكملا لاستعداد الفوز بالرحمة في الدنيا بإنزال البركات وفي الآخرة برفع الدرجات والشاهد العدل على ذلك قوله تعالى: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا) وقد يرفع الله تعالى باستغفار مؤمن العذاب الدنيوي عن جماعة من العصاة كما روي «أن الله تعالى يقول: إني لأهم بأهل الأرض عذابا فإذا نظرت إلى عمار بيوتي وإلى المتحابين والمستغفرين بالأسحار صرفته عنهم» (2) ثم الاستغفار لا يتحقق معناه بمجرد هذا اللفظ بل لا بد في تحققه من أمور لا يتلقاها إلا الصابرون والمجاهدون كما يرشد إليها قول أمير المؤمنين (عليه السلام) لقايل قال بحضرته أستغفر الله فقال (عليه السلام) «ثكلتك أمك أتدري ما الاستغفار إن الاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ستة معان أولها: الندم على ما مضى، والثاني:
العزم على ترك العود أبدا، والثالث: أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس وليس

1 - الكافي كتاب الايمان والكفر باب الاصرار على الذنب تحت رقم 2.
2 - أخرجه البيهقي في شعب الايمان من حديث أنس بن مالك بسند ضعيف.
(٢٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 ... » »»
الفهرست