شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٧٧
واللذات الجسمانية ويستعد به ذهنه لشروق أنوار المعارف الآلهية وبروق مكارم الأخلاق الربانية بحيث ينظر بعين التفكر في ملك الأرضين وملكوت السماوات; ويرى الحق بعين البصيرة في عجائب المخلوقات وبدايع المصنوعات ويرتوي من زلال عيون الكمالات ويخلع عن نفسه لباس الشهوات ويجتنب من هموم الدنيا وعلائق حالاتها ويتوجه إلى أمر الآخرة وشواهق مقاماتها فيصير نورا في نفسه ومصباحا لغيره ذلك فضل الله سبحانه على عباده المرسلين والأئمة الطاهرين ومن اقتفى آثارهم من العباد الصالحين، والشقي الحقيقي من كفر بالأمور المذكورة ووقع في مهاوي الضلالة ومهالك الغواية وبينهما مراتب متفاوتة ومنازل متباعدة يجتمع فيها اسم السعادة والشقاوة بالإضافة فرب سعيد من وجه شقي من وجه آخر ومن غلبت سعادته فهو في جنات النعيم ومن غلبت شقاوته فهو في عذاب الجحيم ومن استوى فيه الأمران فهو في خطر عظيم ورحمة الله قدامه وهو الغفور الرحيم.
(والتوبة وضدها الإصرار) التوبة في الشرع ترك الذنب لقبحه ومنعه من الوصول إلى الحق والندم على ما فرط والعزم على ترك المعاودة ودرك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال ورد المظلمة إلى صاحبها أو تحصيل البراءة منه فمتى اجتمعت هذه الأمور تحققت حقيقة التوبة وكملت شرايطها وتاب الله تعالى وهي من أهم قواعد الإسلام وأول مقامات سالكي الآخرة، وقد اتفق أهل الإسلام على وجوبها فورا ومنافعها كثيرة منها أنها تخلع ثوب الدنس وتقطع عرق النجس، ومنها أنها تورث محبة الرب ورضوانه والدخول في جنانه قال الله تعالى (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) وفيه فضل عظيم وشرف جسيم للتائب حيث ينال محبة الحق التي هي أعلى مقاصد السالكين بعدما كان في زمرة الهالكين، وقال الباقر (عليه السلام) (إن الله أشد فرحا بتوبة عبده من رجل أضل راحلته ومزاده في ليلة ظلماء فوجدها فالله أشد فرحا بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها) (1) فانظر أيها اللبيب إلى هذا الحديث الشريف وعلو مضمونه تجده كافيا في الترغيب إلى التوبة والتحريص عليها لو لم يكن غيره ولكن الآيات الكريمة والروايات الشريفة في باب التوبة وبيان فضلها أكثر من أن تحصى وهي من صفات العاقل وأجناده لأن العاقل قصده لقاء الله تعالى دائما وهمه النزول في ساحة عزه وهو يجوز ذلك في كل آن ويرقبه في كل زمان فأكبر مقاصده وأعظم مطالبه أن يطهر نفسه بالتوبة والندامة على ما يوجب البعد عنه من رجس الآثام قبل انتهاء وقت التكليف بالموت وانقضاء مدة العمل بالفوت بخلاف الجاهل فإن وصفه الاصرار على الذنوب والمعاصي والإقامة على الآثام والمناهي إذ هو لعميان بصيرته وفقدان سريرته ونقصان عقيدته محجوب عن درك الآخرة وحالاتها

1 - الكافي كتاب الايمان والكفر باب التوبة تحت رقم 8.
(٢٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 ... » »»
الفهرست