فلا يرضى لهم إلا ما يرضى لنفسه وبأن المكر بهم مكر بنفسه حقيقة كما قال سبحانه (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله) بخلاف الجاهل المنغمس ذهنه الكثيف في ظلمة الجهالة فإنه لكدرة طينته وفساد عقيدته يتخذ المكر منهجا لمطالبه ومسلكا لمآربه وهو غافل عن سوء مآله عاجلا وآجلا وعن اختلال حاله ظاهرا وباطنا.
(والكتمان وضده الافشاء) من شأن العاقل كتمان سره بوضعه في صندوق جنانه وعدم فتحه مفتاح لسانه وتحريم إبرازه على أوثق إخوانه فإنك إذا لم تكتم سرك فكيف تتوقع ذلك من غيرك ولذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «المرء احفظ لسره» (1) وقال أيضا «من كتم سره كان الخيرة بيده» (2) وقال أبو الحسن (عليه السلام): «إن كان في يدك هذه شئ فإن استطعت أن لا يعلم هذه فافعل، وكان عنده أناس فتذاكروا الإذاعة فقال: احفظ لسانك تعز ولا تمكن الناس من قياد رقبتك فتذل» (3) وإن كنت فاعلا فعليك بصديق قد جربته مرارا وعلمت حفظ لسانه سرا وجهارا كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) «الطمأنينة إلى كل أحد قبل الاختبار عجز» (4) ومن أشعاره (عليه السلام):
لا تودع السر إلا عند ذي كرم * والسر عند كرام الناس مكتوم والسر عندي في بيت له غلق * قد ضاع مفتاحه والباب مختوم ويندرج فيه كتمان عيبه ومعاصيه والكرامات التي أودع الله تعالى فيه فان إفشاءها قد يوجب زوالها وكتمان دينه إذا توهم الضرر بإظهاره قال الصادق (عليه السلام) لسليمان بن خالد «يا سليمان إنكم على دين من كتمه أعزه الله ومن أذاعه أذله الله» (5) أمره بكتمان دينه من غير أهله وممن لا يعرف حاله.
وكتمان عيب أخيه وسره لأن المؤمنين إخوة بل هم معدن واحد كنفس واحدة فمن أذاع منهم سر أحدهم أو عيبه كان كمن أذاع سر نفسه أو عيبه وقد وردت الآيات والروايات المتكثرة على الحث به قال الله تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا) وقال: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون) وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من أذاع فاحشة كان كمبتديها» (6) وان أودعك أخوك سرا فعليك أن لا تخبر به أحدا وإن كان صديقك لأن للصديق أيضا صديقا وقال عمار: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «أخبرت بما أخبرتك به أحدا؟ قلت: لا إلا سليمان بن خالد. قال: أحسنت أما سمعت قول