شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٦٢
بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) وجهاد مع النفس الأمارة بالسوء قال الله تعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) وهذا الصنف أشق وأعظم من الجميع كما دلت عليه التجربة ودل عليه ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله) بعث بسرية فلما رجعوا قال: «مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي الجهاد الأكبر، قيل: يا رسول الله ما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس» (1) ومن نظر في هذا الخبر الذي نحن في صدد شرحه حق النظر وتأمل في كثرة جنود الجهل وكثرة شوكتها وغلبتها في الأكثر حق التأمل عرف سر كون هذا الجهاد أعظم وأكبر ونحن نذكر حقيقته وكيفيته ووجه كونه أعظم في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى ولا يبعد أن يراد بالجهاد هنا جميع هذه الأصناف لأن كل واحد منها من صفات العقلاء وخواص الأولياء والصابرين في البأساء والضراء الذين غاية مناهم تخليص نفوسهم ونفوس عباد الله عن قيود الهلكات، وأغلال الشبهات وسلاسل الزلات وأنتزاعها من أيدي هذه الدنيا الغدارة والأبالسة المكارة وسياقها إلى بساط الحق وساحة رحمته ومحل كرامته وفناء جنته فيدخلون فيها إخوانا على سرر متقابلين لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين. وأما النكول عن الجهاد والتقاعد منه فهو من سمات الغافلين وصفات الجاهلين الذين يسلكون مسالك النفوس الأمارة ويختارون راحتها على مشاقها وهم عن شناعة العاقبة جاهلون ويؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة وهم عنها غافلون.
(والحج وضده نبذ الميثاق) والحج بالفتح القصد وقد غلب على قصد الكعبة للنسك المعروف، وبالكسر الاسم، والميثاق العهد ونبذه نقضه من نبذ الشئ من يده طرحه ورمى به لأن نقض العهد طرح له والمقصود أن حج بيت الله تعالى من صفات العاقل الذي شأنه الوفاء بالعهد والميثاق وتركه من صفات الجاهل الذي شأنه نقض العهد والميثاق وذلك لأن الله تعالى لما أراد أن يأخذ المواثيق من العباد أخذها في ذلك المكان وأمر الحجر وهو ملك بهذه الصورة يسمع ويرى فالتقمها فمن أتاه وجدد له الاقرار يشهد له بالموافاة يوم القيامة ومن لم يأته فهو ناقض العهد وناسيه ويشهد عليه بالكفر والانكار ونقض العهد يدل على ذلك روايات متكثرة ويحتمل أن يراد الميثاق ما أجابوا عند نداء إبراهيم (عليه السلام) وطلبه إياهم إلى الحج وهم في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات بقولهم لبيك اللهم لبيك ويحتمل أيضا أن يراد بالحج القصد إلى الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) والعكوف في أبواب علومهم ومعارفهم والسؤال عنهم لأن الله تعالى أخذ ميثاق ذلك على العباد. ونبذ الميثاق تركهم والرجوع إلى أصحاب الأهواء الباطلة وأرباب الآراء الفاسدة ومن الأفاضل لما رأى أن عدد الجنود زائد على الخمسة والسبعين بثلاثة حكم بأن هذه الفقرات الأربع أعني الصلاة وضدها الإضاعة إلى آخر الأربع

١ - الكافي كتاب الجهاد باب الجهاد الأكبر.
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 ... » »»
الفهرست