شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٥٩
الشاعر:
فلا يعدون سري وسرك ثالثا * ألا كل سر جاوز اثنين شايع (1) قوله (عليه السلام): «أحسنت» للتقريع كما هو الشايع في استعمال هذا الكلام في المحاورات ويدل عليه ما بعده وقيل لرجل: كيف تحفظ السر؟ فقال: أجحد للمخبر واحلف للمستخبر. وجحده وإن كان كذبا لكن الكذب مطلوب في بعض المواضع وكذا الحلف والتورية فيها أحسن، ونقل أن رجلا أفشى سره إلى أخيه فقال له أحفظت؟ فقال: بل نسيت، ومن شأن الجاهل إفشاء السر والعيب لعدم علمه بوخامة عاقبته وسوء خاتمته وإنما ذلك لظلمة جنانه وضعف إيمانه ورخاوة لسانه واعتياده بالايذاء والاضرار فدائما نفسه منه في تعب وبلاء وغيره منه في نصب وعناء.
(والصلوة وضدها الإضاعة) إقامة الصلوة بحدودها وشرايطها من أكمل فضائل العقل وملكاته، وإضاعتها من أعظم رذايل الجهل وصفاته وذلك لأن الصلاة الكاملة الموجبة للمحو عن الهويات البشرية والاتصاف بالصفات الملكية والعروج إلى المقامات اللاهوتية كما يعتبر في تحققها أعمال بدنية مثل الطهارة وستر العورة والاستقبال إلى بيت الله والتكبير والقراءة والأذكار والركوع والسجود والتشهد والتسليم كذلك يعتبر في تحققها أفعال قلبية بإزاء تلك الأعمال وتلك الأعمال بمثابة الجسد وهذه الأفعال بمنزلة الروح أما طهارة القلب فتخليصه عما سواه تعالى وتنزيهه عما عداه وأما ستره فستر عيوبه عن الروحانيين بالتوبة والإنابة طلبا لقابلية محاورة الله ومناجاته والدخول في ساحة عزه ومشاهدة كمالاته.
وأما استقباله إلى الله فمطالعة جلاله وجماله وقدرته وكماله، وأما قيامه بين يديه فإذعانه بأنه عبد ذليل عاجز فقير ماثل بين يدي رب جليل، وأما تكبيره فبأن يعتقد أنه تعالى أكبر من أن يصفه الواصفون وينعته الناعتون ويأتي بحق عبادته العابدون، وأما قراءته فبأن يتعمق في الباطن ما نطق به اللسان الظاهر ويتذكر أنه تعالى هو المستحق للحمد والثناء والجامع للكمالات كلها في ضمن أحسن الأسماء وأنه رب كل شئ يعطيه ما يليق به من حاله آنا فآنا ويبلغه إلى غاية كماله شيئا فشيئا فكل شئ سواء في رق الحاجة إليه مفتقر إلى فيضه مقهور بين يديه وأنه المنعم في الدنيا والآخرة ينعم كل أحد ما يليق بحاله وأنه المالك في يوم الجزاء بالاستحقاق ولا مالك فيه غيره على الاطلاق، وأنه المعبود المستحق للعبادة وغاية الخضوع دون غيره، وأنه المستعان في جميع المهمات وفي أداء العبادات، وأنه الهادي إلى الدين القويم والصراط المستقيم صراط أمير المؤمنين والأئمة المعصومين (عليهم السلام)، وأنه الموفق للميل عن صراط الضالين المضلين، وأما ركوعه فبأن يتواضع

1 - الكافي كتاب الايمان والكفر باب الكتمان.
(٢٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 ... » »»
الفهرست