شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٦٠
ويتخشع ويعترف بأنه تعالى متصف بالعظمة والكبرياء ومستحق بأن يتذلل له الأشياء بالانحناء، وأما سجوده فبأن يرى كل شئ عند كمال عظمته موضوعا وكل قدر عند جلال رفعته مخفوضا ويتواضع له زايدا على ما سبق ويلقي نفسه على تراب المسكنة والافتقار ويضع جبهته على غبار العجز والانكسار، وأما تشهده فبأن يشاهد بعين البصيرة تفرده بالالهية وتوحده بالربوبية وتنزهه على أن يشاركه في العبادة، وأما تسليمه فبأن يقصد أنه قطع المراحل الناسوتية وبلغ المنازل اللاهوتية ورأى عند أبوابها الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين خاشعين لهيبته فيسلم عليهم تحية لهم وتأنيسا بهم، وبالجملة المقصود الأصلي من الصلاة تطويع النفس الأمارة للعقل وتمرينها على موافقته وهو لا يحصل بدون حضور القلب وأفعاله المذكورة والتفاته إلى مشارق أنوار الحق ومطالع أسراره وتجرده عن جلابيب العوايق البشرية وسيره في عالم التوحيد والصلاة بهذا الوجه أعني المشتملة على الأعمال البدنية والأفعال القلبية من أكمل فضائل العاقل العارف بالله وآياته، وهي التي ورد في وصفها والحث عليها قوله تعالى (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء) وقوله تعالى (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) وقوله (صلى الله عليه وآله): «الصلاة عمود الدين» (1) وقوله «الصلاة مفتاح الجنة» (2) وقوله «من صلى ركعتين ولم يحدث نفسه فيهما بشئ من الدنيا غفر الله ذنوبه» (3) وقوله «قرة عيني في الصلاة» (4) وقوله: «الصلاة قربان كل تقي» (5) وإضاعتها من جنود الجهل وصفات الجاهل وهي عبارة عن تركها بالمرة أو الإتيان بالأعمال البدنية مجردة عن الأفعال القلبية لأن الإضاعة تختلف باختلاف حال الجهل ورسوخه فرب جاهل يبلغ جهله إلى حد يتركها بالكلية لسواد قلبه وزوال بصيرته واعتقاده ورب جاهل يصلي ولا يخطر بباله أن يصلي إلى آخر الصلاة لتسلط النفس والشيطان عليه واشتغال قلبه بغير الله والتفاته إلى ما سواه ويشملها الذم في قوله تعالى (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) ورب جاهل يصلي وهو أنه يصلي في بعض الأوقات دون بعض ويحضر قلبه في بعض الأفعال دون بعض وهذا فعله مختلط وعمله ممتزج يقرب من الحق تارة ويبعد أخرى والذي يقتضيه النظر أنه في خطر عظيم ولكن دل بعض الروايات المعتبرة أنه يقبل من صلاته بقدر ما يعقله وهذا دل على صحة

١ - أخرجه أبو نعيم الفضل بن دكين في كتاب الصلاة وابن منيع أيضا، كما في الجامع الصغير وكنوز الحقائق للمناوي.
٢ - لم أجده هكذا وللدارمي في سننه من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري «مفتاح الجنة الصلاة».
٣ - أخرجه أحمد في مسنده ج ٤ ص ١١٢ و ١١٧. ورواه ابن المبارك في الزهد والرقائق والراوندي في لب اللباب كما في المستدرك الوسائل كلهم بزيادة «من توضأ وصلى ركعتين - الحديث» وبأدنى اختلاف في لفظه.
٤ - أخرجه النسائي ج ٧ ص ٦٧ في حديث عن انس. ورواه الصدوق في الخصال أبواب الثلاثة ج 1 ص 79.
5 - رواه الكليني في الكافي كتاب الصلاة باب فضل الصلاة تحت رقم 6.
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 ... » »»
الفهرست