شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٤٧
لهذه المراتب كلها وللغدر أيضا مراتب تعلم بالمقايسة والمرتبة الخامسة من الوفاء إنما تطلب وتمدح إذا كان المعاهد عليه باقيا على عهده وشرطه وإلا فالوفاء حينئذ غير ممدوح بل هو مذموم كما أشار إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «الوفاء لأهل الغدر غدر عند الله والغدر بأهل الغدر وفاء عند الله» (1) يعني أن إيفاء العهد والعمل بمقتضاه لأهل الغدر ترك العهد ونقضه في حكم الله تعالى ويترتب عليه أثره، والغدر في حقهم وفاء وذلك إذا كان الغادر على الحق لأن الموفي حينئذ يمدهم على المعصية والغادر لا.
(والطاعة وضدها المعصية) الطوع والطاعة: الاذعان والانقياد، يقال: طاع له يطوع إذا انقاد، والعصيان والمعصية خلاف الطاعة، يقال: عصاه يعصيه عصيا ومعصية وعصيانا إذا خالفه والمراد أن طاعة الله تعالى وطاعة الرسول (صلى الله عليه وآله) وطاعة اولى الأمر من جنود العقل إذ العقل بها يصعد منازل الأبرار ويستعد لمرافقة الأخيار كما قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الأمر منكم) وقال: (ومن يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) ولم يذكر طاعة أولي الأمر في هذه الآية لأن طاعتهم طاعة الرسول كما يرشد إليه عطفهم على الرسول في الآية السابقة من غير إعادة الأمر بطاعتهم ثم إن النافع مجموع هذه الطاعات دون بعضها كما يرشد إليه قول الصادق (عليه السلام) «وصل الله طاعة ولي أمره بطاعة رسوله وطاعة رسوله بطاعته فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع الله ولا رسوله» (2) فالمعصية المقابلة للطاعة هي ترك هذه المجموع سواء كان تركه بترك جميع أجزائه أو بترك بعضها وهي رذيلة مندرجة تحت الجور موجبة للدخول في النار كما قال سبحانه (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مبين).
(والخضوع وضده التطاول) في الصحاح الخضوع التطامن والتواضع وفي الكشاف الخضوع اللين والانقياد والتطاول إظهار حصول الطول بالفتح يعني الفضل والعلو، وسر كون الأول من صفات العاقل والثاني من صفات الجاهل أن العاقل يعرف بنور بصيرته، أن له تعالى شأنه العلو المطلق لافتقار كل شئ إليه وله أعلام الوجود لدلالة كل شئ عليه وله العزة لكون كل موجود سواه مقهورا في تصريف قدرته، وموصفا بالعجز في جريان حكمه ومشيته، وله خشوع جميع الممكنات وخضوعها في رق الحاجة والامكان لانفعالها عن سطوته، وله قوام جميع الموجودات وقيامها لتذللها من عظمته ويعرف أن إليه فزع كل ملهوف ومنه غنى كل فقير وعز كل ذليل وقوة كل ضعيف فيوصله تلك المعارف والكمالات إلى أعلى الفضايل وأشرف المقامات وهو مقام الفزع الله

1 - النهج أبواب الحكم تحت رقم 259.
2 - سيأتي في كتاب الحجة باب معرفة الإمام والرد إليه.
(٢٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 ... » »»
الفهرست