شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٥٦
السابقة عليها أعني قوله: «والشهامة وضدها البلادة» إذ مآلهما واحد.
(والمعرفة وضدها الإنكار) المعرفة سراج القلب يرى بها خيره وشره ومنافعه ومضاره، وكل قلب لا معرفة له فهو مظلم، والمراد بها إما معرفة الائمة وفضلهم وعلو منزلتهم وهي أكمل فضائل العاقل لأنه يعرف بنور معرفته أنهم دعائم الإسلام وولايج الاعتصام والهداة إلى نور الدين وأن طلب العلم والفضيلة والوصول إلى أنوار الحكمة وأسرار الشريعة لا يتيسر إلا بوساطتهم ولا يتحصل إلا بعنايتهم، وأنهم الذين عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية (1) ولا يخالفون الحق أبدا ولا يتجاوزونه إلى رذيلة الإفراط والتفريط قطعا وإنكار شئ من ذلك أو عدم معرفته من أخس رذائل الجاهل المغرور برأيه السقيم الراجع عن الصراط المستقيم، أو المراد بها معرفة الرب بصفاته وآثاره وأفعاله وكلا المعينين يناسب ما اشتهر من أن المعرفة إدراك شئ.
ثانيا بعد الغفلة عن إدراكه أولا، وذلك أن الله سبحانه أخذ الميثاق على عباده بأنه ربهم ومحمد (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله وعليا (عليه السلام) أمير المؤمنين وأوصياءه من بعده ولاة أمره وخزان علمه ثم نسوا بعد رقودهم في مراقد أصلاب الآباء ومهاد أرحام الأمهات وانغمارهم في بحار العوائق الجسمية واستتارهم بحجب العلايق البشرية تلك المواثيق القديمة والعهود الوكيدة فمن أيقظته صحيحة المواعظ الإلهية عن نوم الغفلة وجذبته أيدي الهداية الربانية عن تيه الظلمة وتنور قلبه بنور الهداية

1 - فإن قيل أليس الدين لجميع الناس والشريعة لعامتهم؟ وهل ورد الكتاب والسنة إلا لفهم جميع الأمة وهل يتعبدون إلا بظواهر الألفاظ على ما يفهمون فإن كان هذا حقا فمن سمع وروى لابد أن يعرف معنى الكلام وظاهره إذ ليس الغرض من الرواية أن يحفظ اللفظ العربي من لا يعرف العربية كفارسي يحفظ كلمة تركية لا يعرف معناها بل معنى الرواية أن يحفظ لفظا يعرف معناه وهو حجة عليه فما معنى قولهم «عقل وعاية» وقد ورد في الحديث مكررا الترغيب في الوعاية وعدم الاكتفاء بالرواية؟ قلنا نعم ورد الشريعة لجميع الناس وكلهم متعبدون بظاهرها على ما يفهم الكلام العربي ويشترك فيه كل من يعرف هذا اللسان ومع ذلك الناس مختلفون في فهم أمور زائدة على المشترك بين الكل فمنها ما لم يأت وقت الحاجة إليه ولا يمتنع تأخير البيان فيها فيكون مجملا كأحوال القيامة حيث قال «فيم أنت من ذكريها» إذ ليس في الدنيا حاجة إلى معرفة تفاصيلها ويجوز تأخير البيان عن وقت الخطاب ولعل مثل ذلك كثير في غير الأعمال البدنية وأهل الرواية يكتفون بظواهر الألفاظ وأهل الوعاية يتفاضلون في فهم ما لا يدل ظاهر اللفظ عليه وفي الألفاظ ما يتبادر المعنى منها إلى الذهن بحسب العادات كما يتبادر من البيت إلى الذهن البدوي الخيمة ومن مجيء الملائكة وخروج الروح التجسم.
وهذا كثير مثل (الله نور السماوات والأرض) (وإنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض) و (هو الأول والآخر والظاهر والباطن) و (الملائكة باسطو أيديهم) ومثله اختلافهم في معنى العرش والكرسي وأنهما العلم أو القدرة أو جسمان عظيمان واختلافهم في معنى السماوات وأنها أجسام لطيفة أو المراد منها عالم المجردات أو أريد به كل منها بحسب المواضع، واختلافهم في يد الله ووجه الله وآيات الجبر والتفويض (ش).
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 ... » »»
الفهرست