بقوله: (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وبقوله: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم) ويعلم أن الفضل الزايد في ماله على القدر الذي يدفع ضرورته ليست زيادته معتبرة في صلاح حاله ولانقضائه معتبر في فسادها فلا يزيده إذن إن أبقاه ولا ينقصه إن أنفقه وأعطاه، فيسهل عليه إنفاقه على ذوي الحاجات توقعا لما يترتب عليه من رفع الدرجات، وأما المنع يعني عدم إعطاء الفقراء ترك مشاركتهم ومساهمتهم في فضل المال فهو من شعب البخل ومن صفات الجاهلين وعلامات الغافلين، إذ الجاهل الغافل مع جهله بما يترتب على الانفاق من الثناء الجميل عاجلا والثواب الجزيل آجلا يظن أنه إن أنفقه يصير فقيرا فيمسكه لنفسه وذلك لسوء ظنه بمالك الأرزاق وعدم إيمانه برب الأرباب وضعف إذعانه بيوم الحساب فيستحق بذلك الشقاء العظيم والعذاب الأليم كما قال العزيز العليم: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم).
(والمودة وضدها العداوة) والمودة المحبة تقول: وددت الرجل أوده ودا إذا أحببته والود بالحركات الثلاث المودة ولما كان الإنسان محتاجا في تعيشه إلى التمدن وهو اجتماعه مع بني نوعه للتعاون والتشارك في تحصيل الملايم والحاجات إذ لا يمكن للانسان الواحد القيام بجميع ما يحتاج إليه من المصالح والضروريات التي لا بقاء له بدونها وذلك التعاون والتشارك لا يتم إلا بايتلاف ومعاملة واختلاط ومصاحبة ولا ينتظم ذلك إلا بتحقق الروابط بينهم احتاجوا إلى تلك الروابط وأعظمها المودة التي هي من فروع الاعتدال في القوة الغضبية وهي من جملة نعوت الكاملين وصفات العاقلين إذ العاقل الكامل يعلم أن مودته للناس مستلزمة لمودتهم ومودة أتباعهم وخدمهم وحواشيهم له ويجلب لنفسه من مودة واحد مودة أشخاص كثيرين له وذلك مستلزم لنفعهم له وعدم مضرتهم إياه وميل قلوبهم إليه وأنسهم به ومعاونتهم له ومدافعتهم عنه وبذلك يتم نظامهم وصلاح حالهم في الدنيا والآخرة ولذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «التودد نصف العقل» (1) وأما ضدها أعني العداوة التي من فروع الإفراط في القوة المذكورة فهو من جملة نعوت الناقصين وصفات الجاهلين إذ الجاهل لغفلته عن سوء العاقبة ووخامتها يظن أن عداوة الناس خير له ويغفل عن حصولها فيهم بالنسبة إليه أيضا; وعن بعدهم منه ونفارهم عنه المستلزمين لفساد نظامه وعدم حصول مرامه وتضييق ماله وتغير حاله في الدنيا والآخرة.
(والوفاء وضده الغدر) وفى بعهده وأوفى به وفاء وهو وفي إذا قام به واتمه وهو فضيلة مندرجة