شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٦٧
كل ما وقيت به شيئا والتقية اسم من الاتقاء وتاؤها بدل من الواو لأنها فعيلة من وقيت وهي أن يقي نفسه من اللائمة أو من العقوبة وإن كان على خلاف ما يضمر وفي القاموس اتقيت الشئ وتقيته وأتقيه وأتقيه تقى وتقية وتقاء ككساء: حذرته، والإذاعة إفعال من الذيع يقال: ذاع الخير يذيع ذيعا إذا انتشر وأذاعه غيره أي أفشاه والمذياع الذي لا يكتم السر إذا عرفت هذا فنقول التقية جايزة إلى يوم القيامة نقله المغرب عن الحسن أيضا وهي دين الله في عباده وسنة الله في بلاده (1) وجنة المؤمن يدفع بها سيوف مكر الماكرين وترسه يرد بها سهام كيد الكائدين وحصنه يأوي إليه لدفع تعدي الظالمين ومن صفات العاقل الفاضل الذي يعلم حقيتها وحقيقتها ومواضع استعمالها وموارد الحاجة إليها فيقول ويفعل عند الضرورة والحاجة بخلاف ما يعتقده حفظا لنفسه وماله وغير ممن المسلمين عن التورط في المهالك ويحسن صحبة الأشرار تحرزا من عقوبتهم وتفززا من مؤاخذتهم وقد روي «أن رجلا استأذن على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: بئس أخو العشيرة فأذن له فلما دخل عليه أقبل عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بوجهه وبشره يحدثه حتى فرغ وخرج من عنده فقيل له: يا رسول الله أنت تذكر هذا الرجل بما ذكرته وأقبلت عليه بوجهك وبشرك فقال (عليه السلام): إن من شر عباد الله من يكره مجالسته لفحشه» (2) وتقية الأئمة (عليهم السلام) من أهل الجور مشهورة في الكتب مسطورة في الآيات والروايات الكثيرة دلالة على جوازها بل على وجوبها قال الله تعالى: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) نزل في عمار بن ياسر حين (3) أكرهه أهل مكة وقال: (أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما

١ - التقية دين الله في عباده فإنه تعالى أمر بذلك وسنة الله في بلاده لأن الناس مجبولون عليها ولا يخالفون الجبارين في سلطانهم إلا إذا عملوا من أنفسهم قوة وقدرة على دفعه. واعلم أن التقية من السلطان أعني الحكومة والحكومة لا يهتم بشئ إلا بملكه وقدرته فإذا احتمل من جماعة خروجا عليه دفعهم ونكل بهم سواء كانوا موافقين له في المذهب أو مخالفين وإن لم يعتقد فيهم خلافا خلاهم ومذهبهم ولذلك أمر الأئمة (عليهم السلام) شيعتهم باستعمال التقية وإظهار الطاعة حتى يأمن الامراء من بوائقهم ويخلوهم وهذا أكثر تأثيرا في بيان الاحكام وترويج الشرع وإنما بقي مذهب التشيع وانتشر هذا الانتشار السريع العظيم بشيئين بأمن الامراء من طغيانهم وبائقتهم في بلاد المخالفين وبتنزه علمائهم من تصدي مناصب الحكومة واستقلالهم في أمرهم بحيث لا يحتمل العزل والنصب في حقهم كما في علماء أهل الخلاف (ش).
٢ - الكافي كتاب الايمان والكفر باب من يتقى شره وأخرجه مسلم ج ٨ ص ٢١.
٣ - ويعيب مخالفونا على مذهبنا في التقية وعمدتهم في ذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) في اعتقادكم نصبو لبيان الشرايع والاحكام فلو اتقوا من الأعداء ولم يبينوا بقيت الاحكام مستورة غير معلومة وانتفت الفائدة من نصبهم وأيضا لم يبق اعتماد على أقوالهم وأحكامهم إذ يحتمل التقية بيان خلاف الواقع وأنتم تقولون الإمام يجب أن يكون معصوما من الخطأ ليكون قوله حجة والتقية مثل الخطأ أو أشنع إذ يوجب عدم الاعتماد عليهم والجواب أن فرض التقية إنما هو فيما لا يوجب خفاء الاحكام ولا ينتفي به الاعتماد على قول الإمام وفرق بين التقية وعدم العصمة لأن التقية عمد فإذا أفتى بالتقية وكان عالما به لم يمنعه من بيان الحقيقة في وقت آخر بحيث يزيل الشبهة وأما عدم العصمة فربما يخطي في الحكم أو في الفعل ولا يعلم به ولا يلتفت إليه فيمضي الأمر على خطائه وإن أراد الاستدراك احتمل خطائه في الثاني دون الأول (ش).
(٢٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 ... » »»
الفهرست