لأنه يفيد صدق أحدهما في حال صدق الآخر، ورد بان التثنية لا تفيد المصاحبة وثانيا بأن قول القائل كل كلامي في هذا اليوم كاذب ولم يوجد منه سوى هذا الكلام ليس مطابقا للواقع وإلا لكان غير مطابق فيجتمع النقيضان وليس غير مطابق وإلا لكان بعض أفراده مطابقا وليس إلا هذا الفرد فيجتمع النقيضان، وأجيب بأن الصدق والكذب إنما يعرضان لخبر مغاير للمخبر عنه حتى يتصور فيه المطابقة فيحكم بصدقه وعدمها فيحكم بكذبه وهنا قد اتحدا فلا يدخله الصدق والكذب وللبحث فيه مجال واسع واستدل النظام بقوله تعالى (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) فإنه تعالى شأنه أخبر بأنهم كاذبون في قولهم (إنك لرسول الله) مع أنه مطابق للواقع فلو كان الصدق عبارة عن المطابقة للواقع لما صح فالتكذيب ليس باعتبار أنه غير مطابق للواقع بل باعتبار أنه غير مطابق لاعتقادهم، وأجيب بأن المعنى والله يشهد إنهم لكاذبون في قولهم (إنك لرسول الله) من عند أنفسهم لأن هذا الخبر كاذب غير مطابق للواقع عندهم أو أنهم لكاذبون في لازم فائدة هذا الخبر وهو كونهم عالمين بمضمونه أو أنهم لكاذبون في (نشهد) باعتبار تضمنه خبرا كاذبا، وهو أن شهادتنا هذه من صميم القلب وخلوص الاعتقاد بحيث واطأت فيه قلوبنا ألسنتنا كما يشعر به (أن) واللام واسمية الجملة فكذبهم الله تعالى لعلمه بعدم المواطاة بين قولهم وقلبهم. أو أنهم لكاذبون في دعوى الاستمرار المستفاد من نشهد، أو أنهم لكاذبون في حلفهم على عدم النهي عن الانفاق على فقراء المهاجرين أو أنهم لكاذبون يعني إن شأنهم الكذب فالتكذيب ليس في هذا الخبر بل مطلق فكأنه قيل: إنهم وأن صدقوا في هذا الخبر لكن صدقهم فيه لا يخرجهم من زمرة الكاذبين فإن الكذوب قد يصدق واستدل الجاحظ بقوله تعالى حكاية عن المشركين (افترى على الله كذبا أم به جنة) فإنهم حصروا خبر النبي بالحشر والنشر والتوحيد في كونه كاذبا أو كلام مجنون ولا شك أن المراد بالثاني غير الكذب لأنه قسيمه وقسيم الشئ يجب أن يكون مباينا له وغير الصدق لاعتقادهم عدمه ولعدم دلالة الثاني عليه فقد أثبتوا بين الصدق والكذب واسطتين إحديهما عدم مطابقة خبر النبي (صلى الله عليه وآله) للواقع مع شكه في المطابقة والأخرى عدم مطابقته له مع اعتقاده المطابقة بأن يكون اعتقادهم الفاسد أن عدم مطابقة هذا الخبر بلغ بمرتبة لا يخفى على من له شايبة عقل فالشك في المطابقة لا يكون إلا من مجنون فكيف اعتقاد المطابقة، ولا شك أن الواسطة إنما يكون إذا اعتبر في الصدق والكذب مطابقة الخبر للواقع والاعتقاد جميعا وعدمها لهما إذ لا واسطة عند اعتبار المطابقة للواقع وعدمها ولا عند اعتبار المطابقة للاعتقاد وعدمها، وأجيب بأن ترديدهم لخبره (صلى الله عليه وآله) ليس بين الكذب المطلق والاخبار حالة الجنون، بل إنما هو بين الافتراء وهو الكذب عن عمد وعدمه فمعنى قوله (أم به جنة) أم لم
(٢٥١)