شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٤٦
تحت العدالة كما أن الغدر الذي هو ضده يعني نقض العهد رذيلة مندرجة تحت الفجور وبه يشعر قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «كل غدرة فجرة وكل فجرة كفرة» (1) هذا أشرف الضروب من الشكل الأول ينتج كل غدرة كفرة، والوجه في لزوم الكفر للغادر إن استحل الغدر ظاهر وإلا فالمراد بالكفر كفر نعم الله تعالى وسترها بإظهار المعصية والمخالفة كما هو المفهوم اللغوي من لفظ الكفر ثم للوفاء مراتب: الأولى الوفاء بكلمتي الشهادة وثمرته حفظ النفس والمال، والثانية الوفاء بالعبادات المفروضة والمندوبة وثمرته الثواب الجزيل والأجر الجميل في الآخرة، والثالثة الوفاء بترك الكباير والاجتناب عن الصغاير وثمرته النجاة من الجحيم والتخلص من العذاب الأليم، والرابعة الوفاء بالفضايل النفسانية والاجتناب عن رذايلها وثمرته الترقي إلى عالم الروحانيين والتشبه بالملائكة المقربين (2)، والخامسة الوفاء بعهود الناس ومواثيقهم الموافقة للقوانين الشرعية وثمرته استبقاء نظامهم واستكمال مقاصدهم ومرامهم والسادسة وهي أعلى المراتب وأسناها التعري عن الأغطية البشرية بالتجريد والاستضاءة بالأنوار الربوبية والاستغراق في بحر التوحيد بحيث يغفل عن نفسه فضلا عن غيره (3) وثمرته الفوز بالكرامة في دار المقامة والاستبشار باللقاء الدائم كما قال سبحانه (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) ولعل حذف مفعول الوفاء للدلالة على تعميمه وشموله

١ - النهج أبواب الخطب تحت رقم ١٩٨.
٢ - هذا أعلى من الثواب الجميل حيث جلعه في المرتبة. (ش) ٣ - هذا يسمى بالفناء في اصطلاح العرفاء ويصرح بذلك عن قريب ومر نقل حديث وكلام عن المجلسي (رحمه الله) في الفناء ثم نقول الفناء ثابت قهرا لكل وجود ممكن سواء اعترف به الإنسان ووجده في نفسه أم لا، لان الممكن لا استقلال له في الوجود وليس بشئ ينظر إليه بل هو معنى حرفي كما قال الشاعر «ألا كل شئ ما خلاء الله باطل» واستحسنه النبي (صلى الله عليه وآله) وإنما ينكره الإنسان الطبيعي لأنه يتوهم نفسه وأمثاله شيئا فإذا عرف الوجود حق المعرفة ووجد نفسه وكل شئ فانيا في الحق كما هو الواقع وغلب سره على وهمه وعقله على طبعه واستغرق في التوحيد وغفل عن نفسه لأنه لا شئ في الحقيقة فقد بلغ أعلى المراتب وأسناها إذ عرف الوجود على ما هو عليه وقال الفاضل المجلسي (رحمه الله) في أوائل كتاب عين الحياة بعد نقل معنى علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين من المحقق الطوسي هذا أعلى مراتب المعرفة ويعبرون عنه بالفناء في الله واستشهد بالرواية المشهورة «لا يزال يتقرب إلى العبد بالنوافل اه» وبقوله تعالى (وما تشاؤن إلا أن يشاء الله) وبالحديث «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» وما روي في أحاديث العامة «بي يسمع وبي يبصر وبي يمشي وبي ينطق» ثم تأول في الأحاديث بما كان متقررا في ذهنه من تتبع أقوالهم ولكنه لم يفرق بين الفناء الذي هو حاصل لكل ممكن والفناء الحاصل للكمل في منتهى سلوكهم وقال معترضا عليهم: إن الفناء لجميع الممكنات عندهم فكيف يخصون به المقربين. والجواب: إن الفناء حاصل للجميع لكن وجدانه والاعتراف به حاصل للكاملين فقط ألا ترى إن تحقق الشئ غير الاعتراف به وقد اتفق له (قدس سره) ذلك مثلا ما كنا نعلم إن الشيخ صفي الدين جد السلاطين الصفوية كان له مقام عظيم في العرفان والعلم ونظنه كبعض المدعين إذا لم نر منه أثرا يدل على ذلك حتى رأينا في كتاب عين الحياة للمجلسي - ره - وصفه بسلطان العلماء والمحققين وبرهان الأصفياء والكاملين الشيخ صفي الدين فعلمنا فضله وفضل الشيخ واقعا لا يلازم الاعتراف به من كل أحد.
(٢٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 ... » »»
الفهرست