بالتخشع والتخضع والتذلل والتواضع وتطيب القلب وتلين السر فيحصل له حينئذ قلب خاضع وذهن واله ودمع منهمل وعقل مرتحل، ويؤثر ذلك في جوارحه إذ هي تابعة للقلب ومنه يظهر سر ما روي من أن «لسان المؤمن من وراء قلبه» فيصدر حينئذ من جميع أعضائه الظاهرة والباطنة أفعال مناسبة في الخشوع وأعمال متناسقة في الخضوع وفي ذلك مراتب متفاوتة ودرجات متصاعدة أرفعها الوصول إلى ساحة الحق والفناء المطلق (1) والطيران في حظاير القدس بأجنحة الكمال مع الملائكة المقربين، بخلاف الجاهل فإنه لخلوه عن تلك الحالات وغفلته عن تلك المعارف والكمالات محبوس في ظلمات الطبيعة بعيد عن التشرف بشرف تلك الفضيلة إذ قلبه في واد وجوارحه في واد آخر فلذلك أعماله غير منتظمة بروابط الخضوع وأفعاله غير متعلقة بعلائق الخشوع وهو مع ذلك يعتقد لنفسه فضيلة كاملة ورفعة بالغة ورتبة فايقة (2) وهذا معنى التطاول وحقيقة التفاضل كما هو المشاهد من الجهلة والمعلوم من السفلة. وينبغي أن يعلم أن الخضوع والخشوع والتواضع وإن كانت متقاربة في المعنى لكن بينها فرقا ما لأن الاذعان واللين إذا حصلا في القلب فمن حيث إنهما يوجبان انكسارا وافتقارا وتذللا خضوع ومن حيث إنهما يوجبان الخوف والخشية والعمل خشوع ومن حيث أنهما يوجبان انحطاط رتبته عن الغير وتعظيم ذلك الغير تواضع وقد يفرق بين الخضوع والخشوع بأن الخضوع بالقلب والخشوع بالجوارح، وبين الخضوع والتواضع بأن التواضع عدم اعتقاد المزية بالنسبة إلى الأدنى في الجاه والمنزلة والخضوع أعم أو
(٢٤٨)