شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٤٩
مختص بالنسبة إلى الأعلى.
(والسلامة وضدها البلاء) ليس المراد السلامة من الأمراض البدنية والابتلاء بها لما روي عن الصادق (عليه السلام) «إن أشد الناس ابتلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الأمثل فالأمثل» (1) ولا السلامة من الفقر والابتلاء به لما روي عنه (عليه السلام) قال: «قال الله تعالى يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين وإذا رأيت الغني مقبلا فقل: ذنب عجلت عقوبته» (2) إلا أن يخصص الأمراض والفقر بما يوجب كسر الظهر والفتنة في الدين فإنه قد نقل الاستعاذة منهما عن أهل العصمة (عليهم السلام)، بل المراد السلامة عن إيذاء المسلمين والابتلاء به كما روي «المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه» (3) أو السلامة من الأمراض النفسانية والآراء الفاسدة والعقايد الباطلة مثل الكفر والكبر والحقد والحسد والنفاق وغيرها والابتلاء بها، فان الأول من جنود العقل وأنصاره لكونه من شعب العدالة الواقعة في حاق الوسط، والثاني من جنود الجهل لكونه من فروع الجور الواقع في طرف الافراط.
(والحب وضده البغض) الحب بالضم والكسر والمحبة ميل القلب إلى ما يلائمه، والبغض المقت وقد بغض الرجل بغاضة أي صار بغيضا، وبغضه الله إلى الناس تبغيضا فأبغضوه أي مقتوه، ولعل المراد أن حب الخلق بعضهم بعضا من جنود العقل وبغضهم من جنود الجهل، لأن العاقل يعلم أن نظام الدنيا والدين لا يتم إلا بالمحبة فلذلك يختارها تحرزا عما يلزم البغض من التقاطع المستلزم لتطاول الحاسدين وتسلط المعاندين، ومن التنازع المستتبع لعدم الثبات والقرار والمؤدي بالأخرة الهلاك والبوار، وإن أردت أن تعرف أنك تحب أحدا فاجعل نفسك ميزانا فيما بينه وبينك فإن كنت تحب له ما تحب لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك فأنت تحبه وهو حبيبك وإلا فلا، بخلاف الجاهل فإنه لظلمة بصيرته غافل عن حسن عاقبة المحبة وسوء عاقبة البغض فيظن أن البغض خير له في تحصيل مقاصده فيختاره ويسوق سفينة البغاضة في بحر الغواية بريح الغباوة إلى أن يدركه الغرق من حيث لا يعلم، وينبغي أن يكون أعظم محبتنا لعباد الله تعالى محبتنا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وعترته الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين لشرافة ذاتهم وجريان نعمائهم ظاهرا وباطنا علينا ووصول إحسانهم جليا وخفيا إلينا وبالجملة محبة الشئ إما لحسنه في الظاهر كالصور الجميلة أو في الباطن كحسن بواطن الصالحين وشرافة نفوسهم، أو لإحسانه بجلب نفع ودفع ضر كإحسان الناس بعضهم بعضا، أو لإعظامه كإعظام الولد والده، أو لترحمه وشفقته بحسب الجبلة والمشاكلة كترحم الوالد

1 - الكافي كتاب الايمان والكفر باب شدة ابتلاء المؤمن.
2 - المصدر باب فضل فقراء المسلمين تحت رقم 12.
3 - المصدر باب فضل فقراء المسلمين تحت رقم 12.
(٢٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 ... » »»
الفهرست