شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٤٤
بالقناعة ملكا» (1) يعني أن القناعة منجية عن مهلكة الالتماس كالملك وإن دخلك من ذلك شئ فانظر إلى عيش الأنبياء والأوصياء والأولياء والصلحاء من قبلك وقد بلغك حال نبيك الأطهر أنه إنما كان قوته الشعير ولم يشبع منه وحلواه التمر وثوبه الخشن ووقوده السعف إذا وجده، وأما ضدها وهو الحرص في طلب زهرات الدنيا والانهماك في لذاتها وجمع مشتهياتها زايدا على القدر الضروري الذي يجوزه العقل والنقل فهو من شعب الانحراف في القوة الشهوية وطرف الافراط فيها وصاحبه مع عدم خلوه من المشقات لا يأمن من الوقوع في الشبهات وارتكابه للمحرمات ولذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «والرغبة مفتاح النصب ومطية التعب» (2) وقال: «الحرص داع إلى التقحم في الذنوب» (3) وقال «ابن آدم: إن كنت تريد من الدنيا من يكفيك فان أيسر ما فيها يكفيك وإن كنت تريد ما لا يكفيك فإن كل ما فيها لا يكفيك» (4) ووجه ذلك ظاهر لأن الحريص في جمع الدنيا وزخارفها يقدم رضاه على الرضا بما قدر الله له ويتبع حرصه وأمله ومراتب الحرص غير محصورة ودرجات الأمل غير معدودة فلو فرض أنه جمع له تسعة أعشار الدنيا طلب العشر الباقي، ثم بعده يطلب الدنيا مرتين وعلى هذا حتى يموت هذا حكم طلب القدر الزايد، وأما طلب القدر الضروري له ولعياله فليس من الحرص في شئ بل هو من العبادة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله» (5) فلو ترك ذلك كان مذموما وينشؤ ذلك من خمود الشهوة الذي هو طرف التفريط من القوة المذكورة.
(والمواساة وضده المنع) في المغرب آسيته بمالي أي جعلته اسوة اقتدي به ويقتدى هو بي وواسيته لغة ضعيفة، وفي النهاية الأسوة بكسر الهمزة وضمها القدرة والمواساة المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق وأصلها الهمزة فقبلت واوا تخفيفا، واعلم أن المواساة يعني معاونة ذوي الأرحام والأقربين وسائر الناس من الفقراء والمساكين في المعيشة وإشراكهم في القوت والمال من شعب السخاء المعدود من أنواع العفة ومن كمال الصالحين وخصال العاقلين، إذ العاقل الكامل يعلم بنور عقله أن سد خلة الفقراء ومواساة الضعفاء وإعطائهم ما ينتظم به أحوالهم من فضل المال يوجب ذكرا جميلا في الدنيا كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) «ولسان الصدق يجعله الله للمرء في الناس خير له من المال يورثه غيره» (6) وثوابا جزيلا في الآخرة كما وعد الله سبحانه أهل الإنفاق

١ - النهج أبواب الحكم تحت رقم ٢٢٩.
٢ - المصدر أبواب الحكم تحت رقم ٣٧١.
٣ - المصدر الباب تحت رقم ٣٧١ وفيه «الحرص والكبر والحسد دواع إلى التقحم في الذنوب».
٤ - الكافي كتاب الايمان والكفر باب القناعة تحت رقم ٦.
٥ - الكافي ج ٥ ص ٨٨ كتاب المعيشة باب من كد على عياله.
6 - تقدم سابقا عن النهج أبواب الخطب تحت رقم 23.
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 ... » »»
الفهرست