حكاية عن الكفار (أنؤمن كما آمن السفهاء) وهذا المعنى ليس بمراد هنا لأنه ضد العلم والحكمة التابعين لحركة القوة الناطقة بالاعتدال في العلوم والمعارف.
(والصمت وضده الهذر) صمت صمتا وصموتا وصماتا أطال السكوت، ومنه الصامت خلاف الناطق. وهذر في نطقه يهذر هذرا والاسم الهذر بالتحريك وهو الهذيان، والهذر من خواص الجاهلين وأفعال الناقصين كما أن الصمت عما يضر وما لا يهم من خصال المرسلين وآداب العاقلين وأخلاق الكاملين ومنافعه كثيرة جدا فإنه يورث القلب فكرا في المعارف العقلية والنقلية ويزينه بالحكمة النظرية والعملية لأن الصمت دليل التفكر وقائد الحكمة ويورث السلامة عن الآفات والمعاصي لأن آفات الكلام ومعاصي اللسان كثيرة، فعن معاذ بن جبل قال: قلت: يا رسول الله أنؤاخذ بما نقول؟ فقال: ثكلتك أمك وهل يكب الناس على مناخرهم إلا حصايد ألسنتهم» (1) ويورث الهيبة لصاحبه فإن من رآه يخيل إليه أن لها شأنا فيهيب منه ويوقره بخلاف النطق بما لا يعني فإنه يهين مكارم العاقل ويبدي مساوي الجاهل ويصغرها في أعين الناس كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
«بكثرة الصمت تكون الهيبة» (2) وقال «المرء مخبوء تحت لسانه» (3) يعني أن الرجل إذا تكلم يظهر كونه فصيحا أو معجما، عالما أو جاهلا، خيرا أو شرا، وإن لم ينطق كان جميع ذلك مستورا عليه عند العامة ثم الظاهر أن السكوت عما يشعر بفساد الرأي وقبح العقائد من شعب الاعتدال في القوة الفكرية وعما يشعر بالهتك والترفع والغلبة والذم في أعراض الناس من شعب الاعتدال في القوة الغضبية وعما يشعر بالميل إلى المستلذات والمشتهيات من شعب الاعتدال في القوة الشهوية والهذر المقابل له من شعب الانحراف في هذه القوى.
(والاستسلام وضده الاستكبار) الظاهر أن الاستسلام وهو الطاعة والانقياد على سبيل المبالغة في متابعة الحق من فروع الحكمة الواقعة في حاق الوسط من القوة الناطقة، ويحتمل أن يكون من فروع العدالة الحاصلة من توسط هذه القوة والقوة الغضبية والشهوية جميعا لأن الاستسلام كما يكون في مقتضى القوة الناطقة كذلك يكون في مقتضى هاتين القوتين، والاستكبار وهو التمرد عن الحق وترك الطاعة والانقياد له من فروع الجهل المقابل للحكمة أو من فروع الجور المقابل للعدالة،